قراءة في مبررات قرار إلـ 25%، والنتائج المحتملة

القرار الصادر عن حكومة قطر-ممثلة في وزير الاقتصاد والتجارة- بالسماح لغير القطريين بامتلاك ما نسبته 25% كحد أقصى من أسهم كافة الشركات المساهمة، كان مفاجأة سارة ورائعة للقطريين وكثير من غير القطريين. ومصدر المفاجأة أن المتعاملين في السوق كانوا في حالة ترقب لقرار قد يصدر آجلاً وليس عاجلاً-ربما في سبتمبر- للسماح للخليجيين بامتلاك حصص محددة في أسهم الشركات القطرية، فجاء القرار سريعاً قبل أن تغيب شمس آخر يوم في يوليو، وحمل إلى الناس خبراً مفاده أن الموافقة قد مُنِحَت لغير القطريين مقيمين وغير مقيمين بدون استثناء. ومبعث السرور لدى القطريين من القرار ما قد يحمله من أمل في زيادة الطلب على الأسهم القطرية، وبالتالي ارتفاع أسعارها، في حين يفتح القرار أمام غير القطريين فرصاً طيبة للاستثمار لم تكن متاحة من قبل بدون تستر، وذاك مصدر لسرور البعض منهم على الأقل.
الجدير بالذكر أن ثلاث دول خليجية هي البحرين وعمان والكويت قد سبقت في تعديل تشريعاتها بما يسمح لغير المواطنين بامتلاك أسهم بنسبة 100% كحد أقصى من أسهم أي شركة في أي قطاع، باستثناءات محدودة. وسمحت السعودية لمواطني دول المجلس بامتلاك مانسبته 100% كحد أقصى من أسهم أي شركة في جميع القطاعات عدا قطاع البنوك. وسمحت دولة الإمارات بامتلاك الخليجيين من دول مجلس التعاون مانسبته 49% كحد أقصى من أسهم بعض الشركات في قطاعات البنوك والخدمات والصناعة( أي بدون قطاع التأمين)، مع إعطاء الشركات الحق في تحديد نسبة الاستثمار الخليجي في نظامها الأساسي، وجاء التحديد متراوحاً بين 15-49%.
وكانت الحكومة القطرية قد قررت بتاريخ 9 فبراير 2000 السماح لمواطني دول المجلس بتداول أسهم الشركات المدرجة في سوق الدوحة للأوراق المالية في قطاعي الصناعة والخدمات، بنسبة تصل إلى 25% من رأس المال كحد أقصى. وقد قامت خمس شركات قطرية في هذين القطاعين بتعديل أنظمتها الأساسية-عبر جمعيات عمومية غير عادية- للتوافق مع هذا القرار وهذه الشركات هي: الكهرباء والماء، النقل البحري، قطر للسينما، التحويلية، الملاحة. وسمحت شركتا كيوتيل والسلام، للخليجيين وغير القطريين على العموم بالاكتتاب في أسهمهما، وسمحت شركة الإجارة للخليجيين بالاكتتاب في أسهمها، في حين سمحت كل من الشركة الألمانية للمستلزمات الطبية، وشركة المخازن، للخليجيين بتداول أسهمهما بحد أقصى 25% منذ لحظة بدء التداول في السوق. وهكذا فإنه من أصل 30 شركة مدرجة في سوق الدوحة للأوراق المالية، كان المسموح به حتى هذه اللحظة هو امتلاك الخليجيين ما نسبته 25% كحد أقصى من أسهم عشرة من شركات الخدمات والصناعة القطرية فقط، ويتسع السماح في إثنتين منها ليشمل غير القطريين. وتشير البيانات إلى أن المشاركة الفعلية للخليجيين كانت نشطة في شركة واحدة فقط هي كيوتيل بحيث وصلت النسبة إلى 25%، في حين تنخفض النسبة إلى 6.8% في شركة المتحدة للتنمية وإلى 2% في شركة السلام، وإلى أقل من نصف بالمائة في الشركات الأخرى.
وقد جاء قرار سعادة وزير الاقتصاد والتجارة الجديد ليفتح الباب أمام غير القطريين لامتلاك ما نسبته 25% من أسهم أي شركة قطرية في كافة القطاعات بدون تحفظات.

فلماذا كان التحفظ والمنع في السابق، وماهي مبررات ودوافع القرار الجديد-كما نفهمها من سياق التطورات- وما هي التأثيرات المحتملة للقرار على حركة التداول وعلى أسعار الأسهم في السوق؟
المعروف أن انفتاح الأسواق المالية على العالم له إيجابياته من حيث العمل على جذب رؤوس الأموال لاستثمارها في مشروعات محلية، وما يتبع ذلك من تحسين الحساب الجاري للدولة مع العالم، فضلاً عن زيادة الطلب على الأسهم المحلية وما يؤدي إليه ذلك من ارتفاع في أسعارها. وفي المقابل فإن هذا الانفتاح قد يكون له سلبياته التي تتمثل في احتمال زيادة المضاربة على الأسهم المحلية وما قد ينتج عنه من انخفاض في الأسعار في بعض الفترات، وما قد يتبع ذلك من تأثيرات سلبية على الحساب الجاري للدولة و على سعر صرف عملتها، وعلى الاستقرار المالي فيها إذا ما حدث نزوح جماعي ومفاجئ للأجانب من السوق، كما حدث في مناطق أخرى من العالم وآخرها تجربة جنوب شرق آسيا عام 1997.
والملاحظ أن التوجه القطري والخليجي بوجه عام نحو فتح أسواق الأسهم أمام مواطني دول مجلس التعاون-وبعضها أمام كل الجنسيات- قد جاء محصلة لعدد من العوامل والمستجدات نذكر منها:
1- انضمام معظم الدول الخليجية إلى منظمة التجارة العالمية ودخولها بالتالي مرحلة جديدة من الانفتاح الاقتصادي على العالم، وسعيها إلى تعديل تشريعاتها بما يساعد على تشجيع دخول الإستثمارات الأجنبية إلى بلدانها.
2- تطور أسواق الأسهم في دول مجلس التعاون، وتحولها في البعض منها –كما في قطر منذ عام 1997- إلى أسواق رسمية منظمة، وإزدياد عدد الشركات المدرجة في هذه الأسواق، وتضاعف حجم التداول والقيمة الرأسمالية للأسهم فيها بين سنة وأخرى.
3- التطور التكنولوجي المذهل في مجال الحواسيب والإتصالات، وهو ما سهل إمكانية متابعة حركة التداول عن بُعد عبر الإنترنت والهواتف الجوالة والفاكس.
4- ما أفرزته أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة من تضييق على الأموال الخليجية في الخارج، وعودة جانب كبير منها إلى المنطقة بحثاً عن ملاذ آمن، وعن مجالات أفضل للاستثمار بعد الخسائر الكبيرة التي لحقت بها في البورصات الغربية عامي 2001 و2002.
5- تسارع الخطى على المستوى الخليجي لتحقيق التكامل الاقتصادي بين دول المجلس، حيث تم إقرار العمل بالاتحاد الجمركي بينها، والتثبيت المشترك لعملاتها مقابل الدولار، والسعي في الوقت الحاضر لاستكمال الإجراءات اللازمة لتحقيق الإتحاد النقدي الخليجي.

وفي قطر لم تكن الأوضاع في سوق الأسهم تستدعي حتى وقت قريب اتخاذ قرار بالسماح لغير القطريين بامتلاك الأسهم القطرية، وذلك بالنظر إلى حداثة السوق وصغر حجمها وقلة عدد الشركات المسجلة فيها. ورغم أنه قد حدث تطور كبير في تلك المعطيات منذ عام 2003، من حيث زيادة عدد الشركات الجديدة وضخامة رؤوس أموال البعض منها، وتوسع شركات قائمة في إصدار أسهم جديدة، إلا أنه في مواجهة ذلك كانت الأموال القطرية العائدة من الخارج كبيرة جداً، وأُضيف إليها أموال لغير القطريين دخلت السوق متسترة بأسماء قطرية. وساعد هذا الطلب الكبير على الأسهم في تحقيق ارتفاع غير مسبوق في مستوى أسعار الأسهم في الفترة ما بين يوليو 2003 إلى نهاية أبريل 2004.
وبدا بعد ذلك أن الأمور قد بدأت تأخذ منحىً جديداً بتراجع أسعار الأسهم في الفترة ما بين مايو إلى الأسبوع الأول من يوليو. وكان هناك على ما يبدو تحسباً من أن يؤدي التوسع الكبير في تأسيس الشركات الجديدة،- ومنها شركة نقل الغاز- إلى استنفاد السيولة المتاحة في السوق، خاصة مع صدور قانون التستر وما سينتج عنه من خروج للأموال المتسترة من قطر.
من هنا كان لا بد من مواجهة الموقف بقرار جريء يخلق واقعاً جديداً في السوق بما يساعد على وقف تراجع الأسعار ويعمل على رفعها. فالرأي الذي كان سائداً بين الناس أن إقتراب موعد الاكتتاب في شركة نقل الغاز سوف يدفع الناس مبكراً إلى بيع ما لديهم من أسهم لتوفير السيولة اللازمة للاكتتاب-باعتبار أن ذلك أكثر ربحية من الاحتفاظ بالأسهم الأخرى- وكان من شأن ذلك لو حدث أن يعجل بانخفاض أسعار أسهم معظم الشركات المدرجة في السوق. ومن هنا جاء القرار السريع بالسماح لغير القطريين بامتلاك ما نسبته 25% من أسهم الشركات القطرية، حتى يطمئن المتعاملين ويشجعهم على الاحتفاظ بما لديهم من أسهم، طالما أن هناك أموال جديدة غير قطرية ستدخل السوق بصورة شرعية، وستعمل على استقرار الأسعار على الأقل.
والواقع أن هذا القرار قد جاء في وقت يشهد فيه الحساب الجاري القطري فائضاً كبيراً لعدة سنوات متتالية نتيجة للارتفاع الكبير في أسعار النفط، كما أن الوضع المالي للدولة في أحسن حالاته، واحتياطي مصرف قطر المركزي يزيد عن أربعة أمثال النقد المصدر. ومن هنا فإن القرار يعكس ثقة كاملة من جانب السلطات المسؤولة في الدولة في متانة الوضع المالي للدولة وقدرة الاقتصاد القطري على تجاوز أي آثار سلبية قد تنتج عن تطبيقه. كما أن القرار يتفق مع توجه الدولة الساعي إلى جذب رؤوس الأموال الأجنبية، وسماحها لغير القطريين أصلاً بالمشاركة في النشاط الاقتصادي ضمن شراكة مع القطريين بحصة تصل إلى 49%، وقد تصل إلى 100% في حالات خاصة. ومع ذلك فقد تحوطت الحكومة لأي نتائج سلبية للقرار، فجاء قرار سعادة وزير الاقتصاد والتجارة بأن يكون السماح لغير القطريين بتملك الأسهم القطرية بحد أقصى 25% وليس 49% أو 100% كما في دول خليجية أخرى. وقد يكون ذلك من باب التحوط، أو ربما للتعرف على النتائج قبل زيادة النسبة مستقبلاً إذا ما سارت الأمور على نحو جيد.
ولقد سارت الأمور على ما يرام في الأيام التالية لصدور القرار، حيث ارتفعت أسعار أسهم بعض الشركات وارتفع المؤشر بشكل يومي. ومع ذلك قد لا يظهر التأثير الكامل للقرار قبل أن تبدي الشركات المساهمة إهتماماً بتنفيذه من خلال الدعوة إلى عقد جمعيات عمومية غير عادية في أقرب وقت، وقبل ذلك لن يُسمح لغير القطريين بامتلاك الأسهم في السوق. الجدير بالذكر إن شركة اتصالات قطر هي الشركة الوحيدة التي يساهم فيها غير القطريين بنسبة 25% من رأسمالها فعلياً، ولذلك نجد أن سعر سهم هذه الشركة قد تراجع في الأيام التالية لصدور القرار، بعد أن سجل ارتفاعاً كبيراً في الأسبوعين السابقين له.
ومن المؤكد أن القرار الجديد يعد عاملاً إيجابياً في تعزيز الطلب على الأسهم المحلية، ويلغي عملياً الأثر السلبي الذي تركه قانون التستر على الأموال التي كانت تدخل البلاد بأسماء غير قطرية. ومن جهة أخرى قد يكون لهذا القرار انعكاسات سلبية على موضوع الصناديق الاستثمارية، فإذا كانت هذه الصناديق تستهدف استقطاب غير القطريين الذين لم يكن بامكانهم امتلاك الأسهم القطرية، فإن هذا المبرر قد فقد مشروعيته بصدور هذا القرار. ويظل مع ذلك لهذه الصناديق حجة منطقية في أنها تقدم لغير القادرين على التعامل في الأسهم فرصة للحصول على عائد معقول دون المخاطرة بالمتاجرة في مجال لا يجيدونه.