قرأت قبل عدة أسابيع وربما شهور خبراً مفاده أن إحدى الجمعيات الخيرية قررت التوسع في مجال تقديم العون للعائلات الفقيرة داخل قطر عن طريق مساعدة أبناء هذه العائلات العاطلين عن العمل عن طريق إلحاقهم بوظائف مناسبة بما يساهم في خلق موارد دخل ذاتية لتلك العائلات. وقد سرني هذا الخبر لما فيه من مبادرة كريمة تهدف إلى بث الشعور بالراحة والطمأنينة لدى الناس الفقراء الذين تزيدهم البطالة بؤساً وتزيد من معاناتهم واتكالهم على المساعدات في بلد هو بحق من أغنى البلاد وأكثرها كرماً وحباً للخير. وقد رأيت في التوجه الجديد لهذه الجمعية الخيرية تطبيقاً رائعاً للمأثور في تراثنا العربي من أنه خير للفقير أن تعلمه صيد السمك من أن تطعمه كل يوم سمكة.
وفي ظني أن هذا العمل أمر محمود العواقب ويعود بالفائدة على سائر المجتمع القطري لما فيه من زيادة الانتاجية والدخل من ناحية، وزيادة الاستهلاك من ناحية أخرى، فضلاً عن أنه يحفظ المجتمع من المخاطر التي قد تنشأ في العادة من تفشي ظاهرة البطالة بين الشباب. من هنا فإن تبني جهة خيرية لهذه الفكرة يتطلب دعماً قوياً لها من جانب الدولة والمؤسسات العامة وشركات القطاع الخاص الكبيرة التي لا تقصر في العادة في دعم الأنشطة الإجتماعية كالبنوك وشركات التأمين والشركات الصناعية والمؤسسات التجارية المختلفة.
إن تحويل الفكرة إلى واقع ملموس يتطلب جهدأ تنظيمياً في غياب إحصاءات أوسجلات رسمية للعاطلين عن العمل والراغبين فيه ليس بين القطريين فقط ولكن أيضاً بين المقيمين الذين يتحول تخرجهم إلى عبء كبير على الأهل، إذا لم يجدوا فرصة عمل مناسبة بعد سنوات الدراسة التي كلفت فى الغالب عشرات الألوف من الريالات كرسوم دراسية فقط، ويصبح التأخر في إيجاد وظيفة مشكلة عند تجديد الإقامة لمن ينتظر قطار الوظيفة سنة بعد أخرى.
إنني أرجو من الجمعية التي أخذت على عاتقها هذه الفكرة أن لا يقتصر عملها على جهود فردية متفرقة لتعيين هذا الشخص أو ذاك استناداً إلى اتصالات شفهية أو شخصية في الخفاء، وإنما يكون الأمر أكبر من ذلك، وأن يأخذ الطابع المؤسسي المبني على خطة عمل منظمة ومعلنة الأهداف والأفعال والنتائج. وإذا كانت الجمعيات الخيرية تُعلن بين فترة وأخرى أنها صرفت كذا مليون ريال لعدد كذا أسرة متعففة، وأنها دفعت مصاريف كذا طالب وتلميذ في المدارس والجامعات، وأنها دفعت تكاليف عمليات جراحية لكذا مريض أو لعمليات غسيل كلى-لا أحوجكم الله إلى أي منها- فإننا نود أن نسمع في قطر الخير عن مبادرات من نوع جديد تقوم بها واحدة أو أكثر من تلك الجمعيات وتشمل الإعلان عن تعيين أعداد سنوية من العاطلين عن العمل في وظائف بالشركات والمؤسسات المختلفة، وأن تمنح البعض منهم فرص التدريب اللازم لاختصاصات الخريجين منهم حتى لا يكون نقص الخبرة سبباً في بقائهم طويلاً خارج سوق العمل.
إن الاقتصاد القطري ينمو بمعدلات مرتفعة جداً وهو قادر على خلق آلاف الوظائف سنوياً، ويمكن تلبية جانب من الوظائف الجديدة من المعروض المحلي-إذا توافر للشباب تدريب مناسب لد الشركات والمؤسسات- بدلاً من استيراد كل ما يغطى الفجوة من الخارج. لقد زاد عدد السكان في قطر ما بين عامي 1997 و2004 بنسبة 42% نتيجة الإفراط في الإعتماد على الخارج في مجال التوظيف، ولا أستغرب أن يتجاوز عد السكان المليون نسمة بحلول عام 2010 إذا لم يتم الاعتماد بشكل منظم على الكوادر المحلية في شغل الوظائف. إن الأمر قد يتطلب بعض التشريعات الداعمة لهذا المطلب، وقد يكون من المناسب أن تتحرك بعض المنظمات الحكومية أو الشعبية الفاعلة في هذا المجال من أجل دعم الفكرة وتنظيمها ضمن برنامج عمل محدد ومدروس.