ملامح الاقتصاد القطري في عام 2004

في ذكرى يوم الاستقلال المجيد نرفع لأمير البلاد المفدى حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة حفظه الله وولي عهده الأمين سمو الشيخ تميم بن حمد ورئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ عبدالله بن خليفة ونائبيه وكافة الوزراء واعضاء مجلس الشورى والشعب القطري الكريم أسمى آيات التهاني والتبريكات، سائلين المولى عز وجل ان يديم الصحة على الجميع وأن يحفظ هذا البلد وأهله وان تستمر مسيرة الخير نحو المزيد من التقدم والرخاء.
واول ما يتبادر الى الذهن في مثل هذا اليوم الأغر ان نتوقف ولو للحظات كي نرسم صورة بالكلمات والأرقام لواقعنا الاقتصادي المشرق من جوانبه المختلفة، فكيف تبدو صورة الاقتصاد القطري عشية عيد الاستقلال؟

إن من حسن الطالع أن يكون سعر نفط قطر البري قد اقترب في شهر اغسطس من 40 دولاراً للبرميل وهو اعلى سعر يسجله النفط الخام في تاريخه تقريباً، وكان السعر المتوسط لشهر يوليو قريباً من 37 دولاراً للبرميل. هذا الارتفاع الكبير في سعر النفط قد تزامن مع ارتفاع في معدلات الانتاج تحت ضغط الطلب العالمي المتزايد على النفط بحيث يكون الانتاج قد تجاوز 800 ألف ب/ي في الشهرين الأخيرين. ومن حيث انتاج الغاز المسال نجد ان بدء تصدير الغاز الى الهند هذا العام قد رفع الطاقة التصديرية الى 18 مليون طن سنوياً من الغاز المسال LNG، مع توقع ارتفاعها الى 20 مليون طن في العام القادم.

وقد تميز هذا العام بدخول مشروع الأوريكس مرحلة التشييد، باعتباره اول مشروعات تحويل الغاز الى وقود سائل GTL بطاقة 34 ب/ي. وعندما يبدأ هذا المشروع مرحلة الانتاج في عام 2009 ستكون دولة قطر قد نوعت من اساليب استغلال ثروتها الغازية بين عدة بدائل ولا تقتصر فقط على عمليات التسييل ، وذلك انجاز مهم لتنويع مصادر الدخل في المستقبل.

ومع تنامي انتاج وصادرات النفط والغاز هذا العام وارتفاع سعريهما الى مستويات قياسية، فإن الناتج المحلي القطري، وهو ناتج كافة القطاعات الاقتصادية – سوف يشهد في عام 2004 قفزة كبيرة قد ترفعه الى 85 مليار ريال أو أكثر بمعدل نمو يزيد عن 14% عن ناتج عام 2003 البالغ 74.3 مليار ريال. ومن المتوقع ان تكون القطاعات الاخرى غير النفطية قد سجلت تحسناً ملحوظاً في هذا العام نتيجة لعوامل ايجابية كثيرة.

فالسياسة المالية للحكومة سياسة توسعية حيث تجاوز الإنفاق العام للدولة هذا العام – كما رأيناه في الموازنة العامة – مستوى 28 مليار ريال، ومن المتوقع ان يكون الإنفاق الفعلي اكثر من ذلك ويصل الى 30 ملياراً.

والسياسة النقدية لمصرف قطر المركزي هي سياسة توسعية في ظل الانخفاض الكبير في معدل الفائدة قصيرة الأجل على الريال.. ورغم الزيادة التي طرأت على سعر المصرف خلال الصيف بواقع 52 نقطة أساسآً أو نصف بالمائة، فإن معدلات الفائدة لا تزال في حدود 2%.

وقد حققت الشركات المساهمة التي تمثل جانباً مهماً من القطاعات غير النفطية زيادة كبيرة في ارباحها لفترة النصف الأول من العام بحيث اقتربت الارباح من 4 مليارات ريال مقارنة بـ 5 مليارات ريال في عام 2003 ككل، وسجل مؤشر سوق الدوحة للأوراق المالية في الربع الأول من العام مستوى قياسياً بتجاوزه 6000 نقطة بقليل، ورغم ان المؤشر تراجع منذ بداية الصيف بنحو 15% فإنه عاد الى الارتفاع في شهري يوليو واغسطس واقترب من مستواه القياسي هذا الاسبوع بتأثير ارتفاع اسعار البنوك وشركات التأمين، وينتظر المتعاملون ان يكون الموسم الجديد حافلاً بالمفاجآت سواء على صعيد الاكتتاب في اسهم شبكة ناقلات الغاز او دخول غير القطريين لساحة التداول في السوق بعد قرار وزارة الاقتصاد والتجارة بالموافقة على تملكهم حصة تزيد على 25%. كما ينتظر المتعاملون تدشين عدد من الصناديق الاستثمارية في الربع الأخير من العام الحالي. ومن ملامح الواقع الاقتصادي في دولة قطر هذا العام ما شهده سوق العقارات من طفرة كبيرة في النصف الأول من العام كمحصلة لعوامل كثيرة بعضها طبيعي من نتاج النهضة العمرانية وزيادة النمو الاقتصادي وزيادة عدد السكان الى «743 الف نسمة، وبعضها راجع الى توفير وانخفاض معدلات الفائدة، وبفعل عمليات المضاربة التي قام بمعظمها غير قطريين بأسماء قطرية. وبعد صدور قانون التستر هذا الصيف، مالت اسعار العقارات الى الانخفاض مثلها في ذلك مثل اسعار الأسهم، وإن كانت الاسعار لاتزال مرتفعة جداً بالقياس بما كانت عليه في العام الماضي ومن المتوقع ان تشهد مزيداً من الارتفاع بعد السماح الجزئي لغير القطريين بتملك عقارات في اماكن سياحية محددة.

وقد كان لارتفاع اسعار العقارات تأثير سلبي لجهة ارتفاع معدلات الإيجارات وارتفاع نسبة التضخم قريباً من 5% في النصف الأول من العام وساعد انخفاض سعر صرف الريال القطري مقابل اليورو والين في النصف الاول من العام على المزيد من الارتفاع في اسعار السلع المستوردة ونسبة التضخم. ومنذ شهر مايو الماضي مال الدولار الى الاستقرار والتذبذب ضمن هامش معين خاصة بعد ان بدأت معدلات الفائدة على الدولار في الارتفاع.