أحاديث وهموم الناس في العيد (2)

أحاديث العيد هذا العام لم تختلف كثيراً عما كانت عليه في عيد الأضحى قبل عشرة شهور، وتمحورت اقتصادياً حول موضوع الأسهم المحلية من ناحية والقلق من تصاعد تكاليف المعيشة من ناحية أخرى. وأما سياسياً، فإن جُرح العراق الدامي في الفلوجة وأخواتها، قد أفقد العيد بهجته وسروره وترك النفوس حزينة على حاضر الأمة وقلقة على مستقبلها. وأثار رحيل أبوعمار المفاجئ علامة استفهام فارقة على مستقبل الدولة الفلسطينية في الداخل وعلى مصير الفلسطينيين الذين يعيشون في الشتات.
في موضوع الأسهم المحلية، استبشر الناس خيراً بارتفاع أسعار أسهم البنوك في الأيام الأخيرة من رمضان باعتبار أن ذلك قد عوض من خسائر لحقت بالبعض منهم في أسهم قطاع الخدمات. وظل آخرون على أمل أن يكون الاكتتاب القادم في أسهم ناقلات الغاز بمثابة مكرمة جديدة يعم خيرها على أكبر شريحة في المجتمع. وتمنى البعض أن تخرج الجهات المعنية عن صمتها في موضوع تحديد الحد الأدنى لما ستحصل عليه كل بطاقة عند الاكتتاب في أسهم ناقلات الغاز. وتساءل آخرون عن الوقت اللازم لتنفيذ قرار السماح لغير القطريين بامتلاك 25% من الأسهم القطرية.
وفي موضوع تكاليف المعيشة، كان الانخفاض في سعر صرف الريال مقابل اليورو والين والعملات غير الدولارية الأخرى محور اهتمام غالبية المجالس، لما يتركه من أثر سيئ على ارتفاع أسعار الواردات وبالتالي انخفاض القيمة الشرائية للريال. ويخشى الكثيرون من استمرار تدهور سعر صرف الدولار نتيجة تعاظم العجز في الميزان التجاري الأمريكي شهراً بعد آخر، وبالتالي حدوث موجة جديدة من الارتفاع في أسعار السلع المستوردة. ولا تقتصر الشكوى من تكاليف المعيشة على ارتفاع أسعار المستوردات، وإنما هناك الزيادة التي طرأت على الإيجارات، والزيادة المفاجئة في تسعيرة استهلاك الكهرباء والماء، وفق ما أفصحت عنه فواتير التسوية الجديدة لشهر نوفمبر، حيث وجد المستهلكون أن سعر الكيلووات قد زاد بأكثر من 20%، في حين زاد سعر المتر المكعب من الماء بنسبة 10%. الجدير بالذكر أن هذه هي الزيادة الثانية في غضون عامين حيث سبق لكهرماء أن رفعت سعر الحد الأدنى للكيلووات من 6 دراهم إلى 7 دراهم، ثم هي قد رفعته الآن إلى 8.5 درهم.
وتختلف سياسة كهرماء في ذلك عن سياسة كيوتيل حيث تعمل الأخيرة على تخفيض أسعارها باستمرار لزيادة معدلات استخدام المرافق، وبالتالي زيادة المبيعات والأرباح. وتسعىكهرماء في المقابل إلى ترشيد الاستهلاك عن طريق رفع الأسعار، وذلك قد يحقق الهدف المطلوب، ولكنه يزيد من تكاليف المعيشة على شرائح اجتماعية واسعة. وقد يكون من الأفضل مراعاة أن تكون الزيادة على الشرائح الكبيرة من الاستهلاك، بترك أول 5000 كيلووات عند سعر 7 درهم للكيلو ورفع الشريحة الثانية حتى 8500 كيلووات إلى 8.5 درهم، والشريحة الثالثة لأكثر من 8500 كيلووات إلى 10 دراهم. مثل هذا الاقتراح يعطي نوع من العدالة في توزيع الزيادة، باعتبار أن المرونة تكاد تكون معدومة في استهلاك كميات معينة من الكهرباء لا غنى عنها لاستمرار المعيشة عند الحد الأدنى.
وطالت أحاديث العيد وتشعبت، ولم تتوقف عند هموم الاقتصاد أو مشاكل السياسة، ولكنها امتدت إلى موضوع العيد ذاته الذي جاء هذا العام مخالفاً لكل التوقعات ومكرساً لحقيقة اختلاف الأمة الإسلامية في تحديد يوم عيدها. فقد أخذت معظم الدول برؤية الفلك للهلال باعتبار أنها قاطعة في منهجها، وتمسكت دول أخرى بحرفية الحديث صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته دون مراعاة لحقيقة أن الرؤية لا تكون بالعين المجردة فقط. والفعل يرى في اللغة يأخذ معاني كثيرة، فرؤيا يوسف عليه السلام في المنام لم تكن بالعين المجردة، والتعبير ألم تر؟ يتردد في القرآن كثيراً ولا يعني بالضرورة الرؤية بالعين وإنما المقصود ألم يبلغك نبأ، مثل قوله تعالى ألم تر إلى الملأ من بنى إسرائيل من بعد موسى…..أو ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت… أو ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل، أو ألم تر كيف فعل ربك بعاد.. الغريب أننا في الحياة اليومية نصدق رؤية الفلك في أمور كثيرة: في مواعيد شروق الشمس وغروبها وفي مواقيت الصلاة، وفي تواريخ وساعات بدء الخسوف والكسوف ولحظات انتهائها، وكلها حسابات دقيقة جداً، ومع ذلك نرفض الأخذ بها في تحديد أهلة الشهور القمرية ونفضل عليها الرؤية بالعين المجردة التي قد تصيب أحياناً ولكنها قد تخطئ كثيراً، خاصة إذا لم تثبت رؤية الهلال إلا في بلد واحد!