أشرت في مقالي السابق وكان بعنوان:أحاديث وهموم الناس في العيد إلى أن الناس قد استبشروا في العيد بالارتفاع الذي طرأ على أسعار أسهم البنوك في الأسبوع الأخير من رمضان، حيث أن ذلك عوض البعض منهم-على الأقل- عن خسائر لحقت بهم من استثمارات في قطاعي الصناعة والخدمات. وكنت على اطلاع على عدد من الحالات التي استشارني أصحابها منذ بداية رمضان أو قبل ذلك، ونصحتهم بالتركيز على أسهم قطاع البنوك التي كان من الواضح أنها على وشك أن تقود اندفاعة جديدة في أسعار الأسهم. ولعلني لا أذيع سراً عندما أشير على سبيل المثال إلى أن أحد القراء قد اتصل بي يسألني النصيحة بعد أن وصلت خسائره في مجموعة من صفقات الأسهم إلى 80 ألف ريال. وكانت نصيحتي له لتعويض الخسارة على النحو التالي:
الخيار الأول: أن يتخلص من الأسهم التي لا يُرجى لها ارتفاعاً ملموساً، ويحتفظ بحصيلتها –وهي في حدود 50 ألف ريال-للاكتتاب في أسهم ناقلات الغاز في يناير القادم باعتبار أن ذلك سيعوضه عن جزء مهم من خسائره. وأن يحتفظ ببقية أسهم الشركات الأخرى-أو بعضها- لأنها غالباً ما ستعود للارتفاع في فترة لا تزيد عن 3-4 شهور، وأن يشتري بما قد يزيد لديه من سيولة أسهماً في قطاع البنوك.
الخيار الثاني: أن يبيع كل ما لديه من أسهم وأن يشترى بحصيلتها أسهماً في ثلاث شركات بنكية ذكرتها له بالأسم، وذلك بعد استبقاء السيولة اللازمة للاكتتاب في أسهم ناقلات الغاز.
ولقد اختار صاحبنا الاقتراح الثاني ولكنه اشترى بكل الثمن المتبقي أسهماً في بنك واحد فقط من الثلاثة المقترحة ولم يأخذ بالتوزيع. وقد عاتبته على مخالفته النصيحة خاصة وأن سعر سهم البنك الذي اختاره قد ظل مستقراً في الأسبوعين التاليين، وارتفع في المقابل سعر سهم أحد البنوك الثلاثة الأخرى بشكل ملحوظ. ومع ذلك، فرحت له كثيراً عندما تحرك سعر سهمه قبل وبعد العيد باعتبار أنه قد بدأ مرحلة التعويض. ولكن هذه الفرحة لم تدم طويلاً وأسفت كثيراً عندما علمت أنه قد باع أسهمه بعد أول قفزة في الأسعار ليحقق ربحاً محدوداً ولم ينتظر حتى يصل ارتفاع الأسعار إلى مداه . وتلك مشكلة كبيرة يقع فيها كثير من المضاربين الذين يصبرون على خسائرهم لفترات طويلة، فتكبر وتكبر، ولكنهم غالباً لا يطيقون الصبر على الأرباح، فيستعجلون قطافها وهي بعد لم تنضج.
وقد كان الارتفاع الأخير في أسعار الأسهم مفاجئاً لبعض المتعاملين الذين كانوا يظنون أن الأسعار لن تتحرك قبل انتهاء الاكتتاب في ناقلات الغاز. ولم ينتبه هؤلاء إلى الارتفاع الكبير والغير عادي الذي شهدته أسعار ثلاث من شركات التأمين في وقت مبكر من شهر رمضان. كما لم ينتبهوا إلى أن الارتفاع قد انتقل إلى قطاع البنوك شيئاً فشيئاً بادئاً بالدولي الإسلامي. وكانت دلالة ذلك أن مجموعة من كبار المستثمرين قد بدأت تعود للسوق –وإن بشكل انتقائي- مستفيدة في ذلك من عاملين الأول: الانخفاض النسبي لأسعار الأسهم رغم اقتراب نهاية العام، والثاني: أن النتائج المنشورة عن 9 شهور قد رسمت لهم صورة واضحة لأوضاع الشركات المساهمة، الضعيف منها والقوي.
ومع عودة كبار المستثمرين لشراء صفقات بعينها من الأسهم، ارتفعت أسعار أسهم البنوك بقوة-ما عدا الأهلي- وتحت الضجيج الإعلامي للحدث اندفع بقية المتعاملين لدخول السوق على أمل الفوز بحصة من الغنيمة فارتفعت أسعار أسهم شركات أخرى من قطاعي الصناعة والخدمات. ولكن السوق ما لبثت أن هدأت في اليوم الثالث، -يوم الثلاثاء- فهل يعني ذلك أن الأسعار ستشهد فترة جديدة من الركود؟ بالطبع لا فالموسم موسم الارتفاع ولكنه لن يسجل ارتفاعاً يومياً وبمعدل 100 نقطة للمؤشر في المتوسط كما حدث يومي الأحد والاثنين، وغالباً ما سيكون الارتفاع على شكل موجات تكبر وتضعف وأن يتخللها في بعض الأيام تراجعات من جراء عمليات جني الأرباح.
والنصيحة في مثل هذه الأحوال أن يشتري المضارب صفقات متنوعة وأن يتركها لشهرين، حتى لا يتخبط في اتخاذ القرارات مع عمليات الارتفاع والانخفاض في الأسعار، أو أن يكون متنبهاً للتحركات السعرية فيشتري ويبيع بين يوم وآخر عند أفضل المستويات إذا كان مضارباً خبيراً بالسوق.