نظر الرجل إلى فاتورة التسوية ولم يصدق عينيه، كانت المبالغ في التسويات السابقة لا تزيد عن عدة مئات من الريالات، وأحياناً ما كانت تأتي سالبة في إشارة إلى أن استهلاكه الفعلي أقل من إجمالي الدفعات الشهرية التقديرية، فما بالها اليوم قد كبرت فجأة واستطالت وتجاوزت الألفي ريال !!
عاد الرجل ليحدق في الفاتورة لعله يكتشف خطأ ما هنا أو هناك من قبيل وجود متأخرات غير صحيحة أو أن الفاتورة لمستهلك آخر، أو أن أرقام العدادات غير مطابقة، ولكنه لم يجد شيئاً مخالفاً فيها. وهنا قرر الاتصال بكهرماء لعله يجد إجابة شافية على هذا اللغز المحير.
وبدأ برقم الاستعلامات المسجل خلف الفاتورة ولكن أحداً لم يرد على الهاتف، فازداد حنقاً واضطراباً. جرب الاتصال بدليل الاستعلامات للحصول على أرقام أخرى لمؤسسة كهرماء فطلبوا منه الانتظار لأن الخطوط مشغولة وأسمعوه القصة المشهورة عن أحدث مراكز كيوتل الذي يعمل على مدار الساعة في الستي سنتر، فلم يطق على ذلك صبراً وأغلق سماعة الهاتف.
كان الرجل قد أعد ميزانيته لعيد الفطر القادم بعد أيام قليلة، فجاءت فاتورة التسوية غير المتوقعة وسرقت البسمة من شفتيه وأدخلته في حالة من الحيرة وعدم التوازن. الحيرة لإنه غير متأكد بعد من أن الفاتورة صحيحة، وعدم التوازن ناتج عن حاجته لإعادة حساباته وإعداد ميزانية جديدة تتفق مع الأوضاع المستجدة. وبينما هو على هذا الحال اتصل به أحد الأصدقاء:
آلو سلام عليكم … وعليكم السلام … كيف حالك؟ الحمد لله .. تبدو متضايقاً ؟ نعم بعض الشيئ بسبب فاتورة التسوية، ألم تصلك الفاتورة بعد؟ بلا وصلت وللأسف تضمنت زيادة جديدة من 7 دراهم إلى 8.5 درهم للكيلووات كهرباء، ومن 4 ريال إلى 4.4 ريال للمتر المكعب في سعر المياه، والزيادة بأثر رجعي من 6 شهور.
وهنا أدرك الرجل ما خفي عليه واستأذن من صديقه وراح يتأمل في الفاتورة من جديد، ثم دمدم قائلاً وقد صدرت عنه تنهيدة مسموعة:
إذن فالفاتورة صحيحة، والعلة في زيادة التسعيرة وليس في زيادة طارئة في الاستهلاك.. وأطرق الرجل رأسه وراح يفكر.. إنها المرة الثانية التي تقرر فيها كهرماء زيادة التسعيرة، حيث سبق لها أن رفعت السعر من 6 دراهم إلى 7 دراهم قبل عامين. وقد يكون لدى كهرماء حساباتها في ذلك، ولكنه أيضاً يجب أن تكون له حساباته وأن يتعامل مع الحدث بما يستحق.
جمع الرجل أسرته في المساء وراح يشرح لهم ما حدث في الصباح وكيف أن عليهم المشاركة بفعالية في ترشيد الاستهلاك، وأعطى أمثلة حية لما ينبغي أن يكون فقال: يجب تقليص ساعات استخدام التكييف بمعدل ساعتين في اليوم، والتنبه إلى عدم ترك السخانات تعمل إلا عند الاستخدام، وقد يكون من الضروري البحث في إمكانية دراسة استخدام تكنولوجيا الطاقة الشمسية للتسخين والإنارة. ولا بد من تقليل استخدام الأجهزة الكهربائية كالتلفزيون والكمبيوتر والمكواة، وأضاف: يبدو أننا بحاجة لتقليص المساحة المزروعة في فناء البيت، بأن نلغي عدد من الأشجار المزروعة وأن نقلل كمية المياه المستخدمة في الري، وإذا استلزم الأمر نلغي كل المساحة المزروعة أو معظمها.
شعر الرجل أنه قد أزاح حملاً ثقيلاً عن كاهله باتخاذه القرارت اللازمة لمواجهة الموقف الطارئ، ولكنه مع ذلك لم يسترح بالكامل وتمنى لو أن كهرماء قد أرسلت له وللمستهلكين إشعاراً مسبقاً بقرار الزيادة حتى يتلافى تأثيرها المفاجئ والمؤلم.