عودتنا دولة قطر على بذل كل ما في وسعها من جهد لخدمة القضايا التي تهم عالمها الذي تنتمي إليه، وليس غريباً لذلك أن تتبوأ قطر مكانة مرموقة في المجتمع الدولي، إلى الحد الذي جعلها –وهي الدولة الصغيرة بحدودها الجغرافية وبتعدادها السكاني، العظيمة بطموحها الإنساني- تترأس هذا العام مجموعة ألـ 77، وأن يكون ذلك تمهيداً لفعاليات قمة دول الجنوب التي ستعقد في الدوحة عام 2005. فما هي أهداف وتطلعات هذا المنتدى، وما هي قصة مجموعة الـ 77؟
المعروف أن دول العالم الثالث وأغلبها يقع جغرافياً في قارات آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وتصنف على أنها دول الجنوب، تمييزاً لها عن دول الشمال الغنية في أوروبا وأمريكا الشمالية واستراليا، قد حصلت على استقلالها السياسي بعد الحرب العالمية الثانية ووجدت هذه الدول نفسها بعد الاستقلال مستنـزفة من الناحية الاقتصادية نتيجة السنوات الطويلة من الكفاح ضد الاستعمار. ولم تكن مساعدات الدول الغنية لها تتناسب مع احتياجات التنمية فيها، كما أن استعداد الدول الغنية لمساعدتها كان قاصراً بكل المقاييس سواء في ذلك المساعدات المالية، أو الاستعداد لفتح أسواقها لمنتجات الدول الفقيرة، أو مدى سماحها بنقل التكنولوجيا إلى تلك الدول.
وقد ساهمت الحرب الباردة بين الشرق والغرب في خلق حالة من الاستقطاب الشديد بين الدول النامية لجهة الغرب أو الشرق، وأثر ذلك بشكل سيئ على جهود التنمية في تلك الدول.
وفي تلك الأجواء تعسرت ولادة منظمة التجارة العالمية، ولم تفلح عدة جولات من المفاوضات الطويلة جداً برعاية الأمم المتحدة للتقريب بين وجهات النظر المتباينة بين أهل الشمال وأهل الجنوب، بين الأغنياء والفقراء، فكان لا بد أن يعمد أهل الجنوب إلى تأسيس رابطة لهم للتنسيق والتحاور فيما بينهم في مواجهة أهل الشمال، وتشكلت تلك الرابطة في عام 1964 تحت مسمى مجموعة الـ 77 باعتبار أن عدد الدول المشاركة فيها آنذاك 77 دولة. وقد انضمت الصين إلى هذه المجموعة باعتبارها دولة نامية وأصبح يشار إلى المجموعة باسم دول الـ77+ الصين.
وقد تزايد عدد الدول المشاركة في هذا التجمع سنة بعد أخرى حتى وصل عددها في العام الحالي إلى 134 دولة، ومع ذلك ظل يطلق عليها اسم مجموعة الـ 77 التي تمثل دول الجنوب النامية أو الفقيرة. وفي مقابل هذا التجمع هناك تجمع الدول الغنية المتمثل في مجموعة دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ويطلق عليه OECD.
ومع انتهاء الحرب الباردة عام 1991 بانهيار الاتحاد السوفييتي، ومع ولادة منظمة التجارة العالميةWTO عام 1995، اكتسب تجمع الـ 77 أهمية إضافية لما يقوم به من دور فعال في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين دول الجنوب وفي التنسيق بين مواقفها في إطار ما يعرف بمفاوضات تحرير تجارة السلع والخدمات. وعززت المجموعة من مستوى التنسيق بين دولها بعقد عدة اجتماعات لرؤساء وملوك تلك الدول وكان آخرها في هافانا بكوبا عام 2000. وستعقد القمة القادمة في الدوحة في عام 2005 وذلك في الوقت الذي تحتفل فيه الأمم المتحدة بالذكرى الستين لتأسيسها.
وقد اهتمت دولة قطر بأهل الجنوب وقررت –باعتبارها رئيسة مجموعة الـ77 أن تستضيف فعاليات منتدى التجارة والاستثمار ليكون فرصة للتحاور والتشاور بين ممثلي دول الجنوب ولمراجعة ما تم انجازه حتى الآن على صعيد محاربة الفقر وتحقيق تنمية مستدامة في دول الجنوب بما يعزز الاستقرار والأمن العالمي.
إن تعزيز العلاقات والتعاون الاقتصادي بين دول الجنوب ليس بديلاً عن حوار الجنوب مع الشمال بل هو مكمل له ومعزز، ولذلك لم تنقطع في السنوات الأخيرة المؤتمرات الاقليمية على غرار اجتماعات دول البحر المتوسط شماله وجنوبه، واجتماعات دول الأمريكتين الشمالية والجنوبية، واجتماعات الباسيفيك بين دول آسيا ودول الأمريكيتين، واجتماعات الاتحاد الأوروبي مع دول مجلس التعاون.
ونرجو أن يضع أهل الجنوب خلافاتهم السياسية جانباً حتى لا تتعطل مصالحهم الكامنة في تعاونهم ونبذ فرقتهم، فالمشكلة أن كثير من دول الجنوب يخاصم بعضها بعضاً كما هو الحال بين الهند الباكستان، بين الجزائر والمغرب وما كان بين العراق وإيران وأرتيريا والسودان، وبدون نبذ الخلافات سيظل الشمال شمالاً والجنوب جنوباً إلا من رحم ربي .