يشعر كثير من المستثمرين في الوقت الراهن ببعض الانزعاج من جراء تبدل الأحوال وتغير الكثير من المعطيات الاستثمارية منذ بداية شهر أبريل الماضي، وقد انتقل البعض منهم من حالة التفاؤل المفرط إلى حالة من التشاؤم المحزن نتيجة لما فاته من فرص كانت إلى عهد قريب بين يديه وتحت ناظريه. ورغم أننا في العادة نميل إلى لوم الغير على ما يصيبنا من مكروه، فإن من المؤكد أن كلٌ منا يتحمل تبعات ما يتخذه من قرارات. ومن الضروري لذلك أن نحاول فهم ما يجري حولنا ، وإذا كان على المتهم في قضية ما أن يستعين بمحامي بارع لإثبات براءَته في قضية قد لا تزيد الغرامة فيها عن 50 ألف ريال، فإن على المستثمر الحاذق أن يستعين بخبير ناصح كي لا يخسر مئات الألوف من الريالات نتيجة قرارات قد تكون غير صحيحة أو أنها تمت في توقيت خاطئ.
وفي تقديري الشخصي المبني على تحليل منطقي للمتغيرات الاقتصادية، فإن الأمور ليست قاتمة كما يراها الخاسرون في أي استثمار محلي، بل إن المعطيات المتاحة عن الوضع الاقتصادي في قطر تبدو زاهية ومشرقة. وإذا كان من المسلم به أن بعض الاستثمارات تخضع في طبيعتها لتقلبات موسمية حادة، فإن إدراك هذه الحقيقة يساعد في الصبر على الخسائر وفي التعامل مع التطورات بما تستحقه من معالجة جادة ومتابعة واعية. ولكي أكون أكثر وضوحاً وتحديداً فإنني أُشير هنا في عجالة إلى بعض المعطيات التي تجعل من الوضع الاستثماري في قطر جذاباً ومربحاً:
1- أن الاقتصاد القطري قد نما في العامين الماضيين بنسب عالية جداً بلغت 20% في عام 2004، وأنه مرشح لتحقيق طفرة جديدة في عام 2005، خاصة وأن أسعار النفط لا تزال مرتفعة. الجدير بالذكر أن سعر برميل النفط في الشهور الخمسة الأولى من العام الحالي يقترب من 50 دولاراً للبرميل وهو بالتالي يزيد بنسبة 30% عن متوسط الأسعار لعام 2004. ويضاف إلى ما تقدم أن صادرات الغاز المسال ستزيد إلى أكثر من 20 مليون طن سنوياً هذا العام.
2- أن السياسة المالية للحكومة تتوسع سنة بعد أخرى لتحقيق إصلاحات شاملة في البناء الاقتصادي والاجتماعي للدولة، وهو ما ينجم عنه توسع كبير في الإنفاق العام وفي مجالات التشغيل وفرص الاستثمار، وفي عرض النقد.
3- أن نتائج الشركات المساهمة لفترة الربع الأول قد أظهرت في معظمها زيادات كبيرة وهي قد بلغت الضعف أو تجاوزته في عدد منها، وهذه النتائج القوية لا بد أن تنعكس بشكل إيجابي على موجودات تلك الشركات ومن ثم على حقوق المساهمين فيها.
4- أن أي انخفاض يطرأ على أسعار الأصول في إطار التغيرات الموسمية المعتادة إنما يكون البداية الحقيقة لموجات جديدة من عمليات الشراء التي تتم في هدوء وبدون ضجيج.
إن من يرى الصورة على هذا النحو، لا بد أن يشعر بالتفاؤل، وتلك هي نقطة الإنطلاق الصحيحة نحو موسم استثماري ناجح. ومع ذلك يتطلب النجاح عناصر أخرى هامة من بينها الدراسة الواعية لأي استثمار قبل الإقدام عليه بما في ذلك حساب النتائج المتوقعة في ظل الاحتمالات المختلفة، ووجود عدة بدائل استثمارية للاختيار بينها. وعندما تكون الصورة مشرقة على النحو الذي أشرنا إلى مبرراته، فإن تحولاً قريباً في ملامح الواقع الاستثماري سيطرأ قريباً، وعلى المستثمر الواعي أن يكون جاهزاً قبل أن يفوته القطار.