في موضوع الاكتتاب في فوادافون

أود بداية أن أعتذر لقرائي الأعزاء لانقطاعي عن الكتابة عبر هذه النافذة-متابعات اقتصادية- طيلة عامين ونصف أو أكثر، وقد كان ذلك لضرورات اقتضاها انتقالي من إدارة السياسات الاقتصادية إلى الإدارة العليا بمصرف قطر المركزي في أواخر عام 2006. ثم كان أن تلقيت بداية هذا العام عرضاً كريماً من منظمة الخليج للاستشارات الصناعية للعمل كمستشار اقتصادي ورئيساً لوحدة التحليل الاقتصادي والسياسات الإقليمية وبرامج الدول، فقبلت العرض، ورأيت في ذلك مدخلاً يعيدني إلى استئناف الكتابة من جديد.

وبهذه المناسبة أشكر كل الذين كانوا على تواصل دائم معي في فترة التوقف، وكل الذين اتصلوا بي على مدى الأيام الأخيرة للسؤال عن الاكتتاب في فودافون، وكان ذلك ما شجعني على العودة المبكرة للكتابة، ورأيت أن تكون البداية من بوابة الحديث عن الاكتتاب في أسهم هذه الشركة باعتباره موضوع الساعة هذه الأيام. وقد تراوحت أسئلة المتصلين بي ما بين الخوف من إمكانية هبوط سعر السهم بعد طرحه في السوق دون العشرة ريالات، وما بين المتأملين في تحقيق أرباح سريعة من الاكتتاب بالحد الأقصى أو قريباً منه. ولأولئك الذين يتخوفون من هبوط سعر السهم عند إدراجه في السوق، أقول إن تخوفهم ليس له ما يبرره للأسباب التالية:

1- أنه بالنظر إلى حجم الإقبال المعتدل حتى الآن على الاكتتاب، فإن من الواضح أن فئة المكتتبين التي تسعى إلى تحقيق أرباح سريعة من وراء الاكتتاب محدودة، وبالتالي لن تكون هناك عمليات بيع مكثفة لسهم الشركة عند طرحه للتداول بما يؤدي إلى انخفاض سعر السهم دون قيمته الإسمية.

2- أن أسعار الأسهم في السوق بوجه عام قد مالت في الشهرين الأخيرين إلى التماسك، وسجل مؤشر السوق استقراراَ فوق 5000 نقطة في الأسبوع الأخير. وقد أعود للحديث تفصيلاً عن هذا الموضوع في مقال آخر وأكتفي هنا بالتأكيد بأن استقرار الاسعار في السوق يشكل عامل إيجابي لحهة عدم تدهور سعر سهم فودافون بعد طرحه للتداول .

3- أن سمعة شركة عالمية مثل فودافون تعمل في قطاع حيوي مثل الاتصالات، ولديها دعم من شريك محلي قوي كل ذلك يجعل من الاستثمار في أسهمها أمراً مربحاً في الأجلين المتوسط والطويل.

4- أن الأزمة العالمية التي ضربت الاقتصاد العالمي منذ الربع الرابع من العام الماضي، واستمرت تداعياتها في عام 2009، قد كان تأثيرها محدوداَ على الاقتصاد القطري مقارنة بما حدث لدول أخرى كثيرة، ولا زال أمام الاقتصاد القطري بالتالي فرص واعدة للنمو والتوسع وهو ما سيفيد ولا شك قطاع الاتصالات. وقد يوفر انطلاق فودافون في هذا الوقت الذي تنخفض فيه أسعار المواد الإنشائية والأراضي ويتراجع معدل التضخم، فرصة جيدة لتقليل نفقات الشركة مقارنة بما كانت ستتكبده لو بدأت في العام الماضي في ذروة ارتفاع الأسعار.

وأما الذين يأملون في تحقيق ربح سريع من الاكتتاب، فأقول لهم إن ذلك ممكن ولكن ليس بمقدار ما يحلمون به، فقد مضى ذلك الزمان الذي يمكن فيه بيع السهم بأضعاف الثمن المكتتب به، نظراً لأن ظروف الطلب والعرض ومستويات الأسعار في السوق لن تسمح بذلك مطلقاً. ومع ذلك فإن إحجام غالبية المكتتبين عن بيع أسهمهم عند طرح السهم للتداول قد يرفع السعر بريال أو ريالين وربما أكثر. ومثل هذا المبلغ على محدوديته يشكل ربحاً للمستثمر إذا أخذنا بعين الاعتبار عامل الكم. فالمتوقع أن يحصل المكتتب على حصة كبيرة من الأسهم المكتتب بها على عكس ما كان يحدث في السابق عندما كانت النسبة والتناسب لا تترك له إلا أسهماً قليلة فوق الحد الأدنى. ومن هنا فإن من يكتتب بألف سهم بعشرة الآف ريال ويحصل عليها كاملة، يحقق ربحاً بمعدل 10% في فترة قصيرة إذا ما تم تداول السهم بأحد عشر ريالاً.

على أنني لا أنصح أحداً بالاقتراض بكميات كبيرة من أجل المشاركة في الاكتتاب بقوة فالقناعة كنز لا يفنى والمغامرات تفتح الباب أمام احتمالات غير محمودة العواقب، ومن كان لديه مبلغ كبير وأراد أن يوزعه على بطاقات أولاده فلا بأس، ولكنني لا أنصح باستعمال بطاقات أشخاص آخرين لإنعدام المبرر لذلك في الوقت الراهن ولما في ذلك من جلب للمضرة وأسباب لنشوء الخصومة والنزاع.

وتظل نقطة مهمة لا بد من الإشارة إليها في هذا السياق وهي أن في نجاح شركة فودافون في قطر مصلحة أكيدة للقطريين والمقيمين، باعتبار أن التنافس بينها وبين شركة كيوتيل العتيدة فائدة ومصلحة للاقتصاد القطري ولجميع مستخدمي الهواتف النقالة، سواء في ذلك لجهة خفض الأسعار أو تجويد الخدمات وتحسينها. وانطلاقاً من ذلك فإن من مصلحة الجميع الاكتتاب بها الآن وذلك بالقدر الذي أدعو غير القطريين لشراء أسهمها من السوق إذا ما طُرحت بأسعار معقولة.

وبعد، فقد كان ذاك رأيي، أعود به لقرائي الأعزاء على أمل أن يحقق فائدة أو يصيب لهم منفعة، وهو-كما كان دائماً- رأي شخصي محض، يحتمل الصواب والخطأ، فإن أصبت فذلك منتهى أملي وإن أخطأت فعذري أنني اجتهدت.