في انخفاض معدل التضخم وارتفاع مؤشر السوق

بقلم بشير يوسف الكحلوت

كان ارتفاع أسعار الأسهم ومؤشر السوق في الأسبوع الماضي لافتاً للانتباه حيث كسب المؤشر نحو 713 نقطة وبنسبة 12.3% ليصل إلى 6316 نقطة كاسراً بذلك حاجز 5500 نقطة. وقد بدا هذا الارتفاع القوي مخالفاً للتوقعات، وإن كان متمشياً مع ارتفاعات بدرجات مختلفة شهدتها بورصات العالم ومنها نيويورك وطوكيو والسعودية ومصر وعمان. وكان السؤال المطروح بشدة هو ما إذا كان اتجاه المؤشر قد تحول إلى اتجاه صعودي أم أن ما حدث لا يعدو مجرد تصحيح لا يلبث أن ينتهي فجأة كما بدأ فجأة؟

وقبل أن أجيب عن هذا السؤال أشير إلى موضوع آخر لا يقل أهمية عن موضوع السوق وهو اتجاه معدل التضخم في الربع الأول من العام، حيث نشر جهاز الإحصاء بيانات الرقم القياسي للأسعار وتبين منها أن الرقم القياسي العام قد انخفض عن الربع الرابع بما نسبته -9.7%. ولم ينشر الجهاز معدل التغير عن الربع الأول من العام 2008 لكي نعرف معدل التضخم في الربع الأول من العام 2009، فكان أن قمت بالعمليات الإحصائية اللازمة لذلك، وتبين لي أن المعدل قد هبط إلى موجب 0.32% مقارنة بـ 14.8% في الربع الأول من العام 2008. وهذا الانخفاض الشديد في المعدل ملفت للانتباه ولكنه ينسجم مع ما يعرفه الجميع من تراجع ملحوظ في أسعار العقارات والإيجارات وبعض مواد البناء والأغذية وغيرها. كما أن انخفاض معدل التضخم ينسجم مع ماتشير إليه أرقام عرض النقد التي تصدر عن مصرف قطر المركزي من تراجع حيث انخفض عرض النقد الواسع م2 عن نهاية ديسمبر بنسبة 2.2% وإن كان قد ارتفع بنسبة 2.3% عن مارس 2008. وهذا النمو المتواضع في سنة لا يقارن بمعدل النمو المرتفع جداً الذي كان يقفز به في السنوات السابقة بنسب زادت عن 40%. وعليه فإن الانخفاض الشديد في معدل التضخم إلى أقل من ثلث الواحد بالمائة هو تطور يستحق أن نقف عنده، وأن نتأمل مدلولاته، وأن نبحث في الرابط بينه وبين التطور الأول المتمثل في ارتفاع مؤشر السوق وأسعار الأسهم في سوق الدوحة للأوراق المالية.

الجدير بالذكر أن انخفاض أسعار الأسهم في سوق الدوحة على مدى الفترة من شهر أغسطس 2008 إلى مارس 2009 مع بعض الاستثناءات التي شهدت تصحيحاً محدوداً- نتج بصورة أساسية عن خروج محافظ الأسهم الأجنبية من السوق، ثم عمقت تداعيات الأزمة العالمية من الانخفاض وخاصة بعد أن أظهرت نتائج الشركات للربع الرابع حدوث خسائر كبيرة. ومن هنا فإنه إذا كان توقف التدهور في أسعار الأسهم منذ شهر أبريل يبدو مفهوماً على ضوء تحسن الأداء في الربع الأول وما أظهرته الحكومة وأجهزتها المختلفة من دعم للبنوك والشركات القطرية وبفضل عمليات الإندماج التي حدثت بين بعض الشركات في الشهور الماضية، فإن الارتفاع الكبير في الأسعار في الأسابيع الأخيرة يطرح تساؤلاً عما إذا كان مؤشر السوق قد غير اتجاهه إلى الصعود أم أن ألـ 2000 نقطة التي ارتفع بها بعيداً عن القاع ليست إلا مجرد تصحيح لانخفاض بلغ 8000 نقطة ما بين يونيو 2008 ومارس 2009؟ ومما يزيد من مشروعية التساؤل أن الأزمة العالمية لا تزال تخيم على العالم ومن ثم فإنه قد لا يكون هناك مبرر قوي لارتفاع الأسعار على نحو ما حصل في الأسبوع الماضي وبدرجة أشد يوم أمس الأحد عندما واصل المؤشر ارتفاعه بقوة وسجل زيادة بنسبة تفوق 5% وأكثر من 320 نقطة.

الحقيقة أن أرقام عرض النقد والكتلة النقدية تشير إلى عودة تدفق الأموال الأجنبية إلى الجهاز المصرفي القطري خلال الشهرين الماضيين وبوتيرة عالية في الأسابيع الأخيرة لسببين رئيسيين هما إبقاء المصرف المركزي لسعر فائدة الإيداع بموجب آلية سوق النقد القطري-أي الفائدة على أرصدة البنوك لديه-عند مستوى 2% وهو ما يزيد كثيراً عن مستوى الفائدة المناظر على الدولار البالغة ربع بالمائة. وفي الوقت ذاته فإن المصرف قد ألغى السقف الذي كان يفرضه على حجم الودائع لديه بموجب تلك الآلية، أي بات يسمح للبنوك بالإيداع لأي مبلغ، وبالنتيجة حدثت التدفقات المشار إليها وزادت الكتلة النقدية، وعرض النقد، وهو ما يمكن أن يكون له تأثير على أسعار الأسهم في السوق على نحو ما نراه في الأيام الأخيرة.

في كل الأحوال لا بد من الإشارة إلى أن مؤشر السوق قد جرب الارتفاع في شهري نوفمبر وديسمبر الماضيين، ولكنه توقف عند مستوى 7000 نقطة مع نهاية السنة وعاود الإنخفاض، فإذا ما نجح هذه المرة في اختراق حاجز 7000 نقطة فإن ذلك يعطيه قوة دفع أكبر، ويصبح ارتفاعاً أصيلاً وليس مجرد تصحيح، ولكننا يجب أن ننتبه إلى بيانات سوق الدوحة للأوراق المالية التي تبين حجم التداولات اليومية وحصة المحافظ الأجنبية فيها، وهي مؤشر جيد على حركة الأسعار واتجاه المؤشر في المرحلة القادمة.

وفيما يتعلق بمعدل التضخم نجد أن تراجعه الشديد على نحو ما حدث في الربع الأول هو أمر متوقع في ظل تراجع أسعار العقارات، وقد يستمر الاتجاه في الربع الثاني من العام، وذلك في مجمله أمر جيد وله فوائد كثيرة، ولكنه من جهة أخرى قد يستدعي تعديلات على السياسة النقدية، فالسياسة التي كانت تصلح في مواجهة معدل تضخم وصل في الربع الثاني من العام 2008 إلى 16.9% على معدل سنوي، لا يمكن أن تكون هي ذاتها السياسة الناجعة عندما يهبط المعدل إلى ثلث الواحد بالمائة، أو ربما دون ذلك في الربع الحالي. وإذا حدث أن تغيرت السياسة النقدية فإنه سيكون لاتجاهاتها الجديدة تأثيرات على اتجاهات أسعار الأسهم، وعلينا أن ننتظر لنرى ما سيحدث في الأسابيع القادمة.

وبعد، فذلك رأيي الشخصي أجتهد به وهو كما كنت أراه دائماً صواب يحتمل الخطأ، وإذا ما تبين الخطأ فيه يوماً فإنني سأشير إلى ذلك معتذراً، أما إذا تأكد صوابه فإنني أحتسبه عند الله في خدمة القراء.