الاستثمار في الصناعة بين الواقع والغد المأمول

متابعات اقتصادية

الاستثمار في الصناعة بين الواقع والغد المأمول

بقلم: بشير يوسف الكحلوت

تأثرت شركات القطاع الصناعي في بورصات دول مجلس التعاون بالأزمة الاقتصادية العالمية حيث انعكس تراجع الطلب العالمي وانخفاض أسعار المنتجات سلباً على النتائج المالية لتلك الشركات وفق ما أظهرته البيانات المالية لعام 2008 والربع الأول من العام 2009. ولم يكن ذلك رغم قسوته سبباً في صرف دول المنطقة عن الاهتمام بالصناعة، بل على العكس من ذلك تماماً اعتبر المسؤولون في هذه الدول أن الأزمة فرصة لمراجعة الواقع والمنطلقات، وإعادة رسم السياسات، والبحث عن استراتيجيات جديدة للتصنيع للعقد القادم بما يتناسب مع الظروف المستجدة في المنطقة والعالم؛ بدءاً من تداعيات الأزمة المالية العالمية، مروراً بالتحديات التي تمخضت عنها اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، وانتهاءً بما يوفره العمل الخليجي الموحد من فرص وإمكانيات لدعم الصناعة الخليجية وتعزيز قدراتها على الصمود والمنافسة في عالم متطور جداً ومتغير.

فمن حيث الأزمة العالمية وتداعياتها نجد أن النتائج السيئة التي حققتها الشركات الصناعية لعام 2008، والربع الأول من عام 2009، قد دفعت تلك الشركات إلى مراجعة أوضاعها بما يتناسب مع المعطيات الجديدة. ويندرج تحت هذه المراجعة أمور كثيرة تبدأ بالعمل على ضغط وترشيد النفقات، ووقف خطوط الإنتاج الغير مربحة، والاستغناء عن العمالة غير المنتجة، وتجميد بعض المشروعات المخططة أو مشروعات التوسعة، والبحث عن أنشطة ومنتجات جديدة سواء من خلال دعم جهود البحث والتطوير الذاتية أو بشراء حقوق الإنتاج والتصنيع لمخترعات وابتكارات جديدة. كما أن بعض الشركات الصناعية اتجهت إلى استخدام تقنيات أكثر تطوراً لإنتاج سلع تتوافق مع متطلبات ومواصفات الأسواق الأجنبية، وعمدت أيضاً إلى توفير المزيد من فرص التدريب للعاملين فيها.

ومن جهة أخرى بات واضحاً أن اتفاقيات منظمة التجارة العالمية قد أفرزت وقائع جديدة في مجال التجارة العالمية تلحق الضرر بالمنتجين في الدول النامية- ومنها دول مجلس التعاون- إن لم يتم التعامل معها بما تستحقه من اهتمام، وبما يعظم الفائدة من استغلال الفرص التي توفرها الاستثناءات الملحقة بتلك الاتفاقيات من ناحية أخرى. وفي هذا الإطار نشطت وزارات الصناعة والتجارة بدول المجلس من أجل سد الثغرات وتدعيم الصف الخليجي بما يوفر للصناعة الخليجية ما تحتاجه من دعم شرعي ومتوافق مع أنظمة التجارة العالمية. وكان مما جرى بحثه والعمل على إنجازه هذا العام مجموعة من القوانين والبرامج والمشروعات الهادفة إلى تعميق التطبيق العملي للسوق الخليجية المشتركة بما يفيد المنتجات الخليجية داخل أسواق دول التعاون وفي الأسواق العالمية. ومن بين ما يجري بحثه:

1- مشروع لإعادة صياغة القواعد الموحدة لإعطاء الأولوية في المشتريات الحكومية للمنتجات الوطنية بدول المجلس والمعمول به منذ عام 1986.

2- مشروع لإعادة صياغة القانون النموذجي الاسترشادي المعدل لتشجيع الاستثمار الأجنبي في دول المجلس المعد عام 2002.

3- إعادة النظر في تطبيق مبدأ الحماية الذاتية المطبقة على المنتجات الوطنية، والاكتفاء بتطبيق التعرفة الجمركية الموحدة لدول المجلس، مع تكثيف الاعتماد على آليات الحماية ضد الممارسات الضارة في التجارة الدولية، من خلال إنشاء أمانة فنية متخصصة في متابعة هذا الموضوع، وبتعديل القانون الموحد لمكافحة الإغراق والتدابير التعويضية والوقائية بدول مجلس التعاون.

4- البحث في إعداد استراتيجية موحدة لتنمية الصادرات بدول مجلس التعاون، والعمل على إنشاء اتحاد لمراكز دعم الصادرات.

5- البحث في إمكانية إعداد خريطة للصناعات الخليجية القائمة والممكن إقامتها مستقبلاً بدول المجلس، مع تحديث هذه الخريطة باستمرار.

6- تحديث وثيقة سبل تطوير وتشجيع الاستثمارات في المشروعات الصناعية المشتركة، ودراسة إصدار قواعد خاصة لتشجيع قيام المشروعات الخليجية المشتركة بدول المجلس.

7- مراجعة ودراسة تصورات الاستراتيجية الموحدة للتصنيع بدول المجلس من خلال تحديد الأهداف للمرحلة القادمة واقتراح المعايير المناسبة لقياس مدى تحقق تلك الاهداف.

وتلعب منظمة الخليج للاستشارات الصناعية دوراً مهماً وفاعلاً في تحقيق هذه البرامج والمشروعات سواء من خلال مشاركاتها الرسمية في الاجتماعات، أو بتنفيذ بعض الدراسات التي يُطلب منها تنفيذها. وسيكون مؤتمر الصناعيين الثاني عشر الذي تعقده المنظمة هذا العام في دولة قطر في الفترة 22-24 نوفمبر القادم تحت شعار الصناعة الخليجية لعام 2020، فرصة كبيرة لمراجعة واقع الصناعة الخليجية والبحث عن توجهات جديدة لها للعقد القادم. وسيكون موضوع استراتيجيات التصنيع في مقدمة أولويات واهتمامات المؤتمر ومحور مناقشاته وفعالياته.

وإضافة إلى جهود العمل المشترك، تُظهر دول مجلس التعاون منفردة، اهتماماً غير عادي بتطوير مناطقها الصناعية وإعادة رسم سياساتها واستراتيجياتها الصناعية وتحديث مؤسساتها الرسمية المرخصة والمنظمة لقطاع الصناعة، مع الأخذ في ذلك بأحدث ما أفرزته التكنولوجيا الحديثة من نظم وأجهزة ومعدات

وبمحصلة ما تقدم نشير إلى أن هناك جهوداً حقيقية ومؤثرة تتفاعل في الساحة الخليجية من أجل إعادة ترتيب قطاع الصناعة الخليجية بما يضمن تحقيق المزيد من النجاح للمنتجات والشركات الصناعية الخليجية في السنوات القادمة، ويما ينعكس إيجاباً على أداء أسهم الشركات الصناعية في البورصات الخليجية. وإذا كانت الأسعار قد تدنت إلى مستويات منخفضة هذا العام فإن الجهود المبذولة والمشار إليها أعلاه تجعل من الاستثمار في الصناعة وفي أسهم الشركات الصناعية في الوقت الراهن أمراً مربحاً وذو عائد مضمون في الأجل الطويل.