انسحاب الإمارات من الاتحاد النقدي.. الصدمة والتوقعات

بقلم بشير يوسف الكحلوت

مفاجأة من العيار الثقيل فجرتها دولة الإمارات العربية المتحدة يوم أمس بإعلان إنسحابها من مشروع الإتحاد النقدي بعد أن ظن الجميع أن إقامة الاتحاد باتت قاب قوسين أو أدنى خاصة بعد إقرار دول التعاون الخمس –بدون عُمان – اتفاقية الاتحاد النقدي في نوفمبر الماضي، وبعد أن أزاح قادة دول المجلس في قمتهم التشاورية مؤخراً عقبة كأداء في طريق إقامة الإتحاد تمثلت في الاتفاق على الرياض مقراً للمجلس النقدي.

لقد كانت الإمارات من بين المتحمسين لإقامة الإتحاد باعتبارها ثاني أكبر قوة اقتصادية في المنطقة بعد السعودية، ولذلك حرصت على التمسك بمشروع الاتحاد عندما انسحبت منه عمان قبل عامين، وربما تصورت أنها بحكم ثقلها الاقتصادي، وبحكم أنها من أول المتقدمين بطلب استضافة مقر البنك المركزي الخليجي –أو المجلس النقدي الخليجي على أراضيها – منذ عام 2004، سوف تفوز بهذه الغنيمة، خاصة وأنها باستثناء مقر صندوق النقد العربي في أبوظبي لا تستضيف مؤسسات خليجية مشتركة. ولم يشر قرار انسحاب الإمارات من مشروع الاتحاد إلى سبب بعينه لهذه الخطوة ، ولكن حدوثها بعد أسابيع قليلة من قرار المجلس الأعلى في قمته التشاورية باختيار الرياض مقراً للمجلس النقدي لا يدع مجالاً للظن بوجود أسباب أخرى. فهل أرادت الإمارات من هذه الخطوة الضغط على أصحاب القرار في العواصم الخليجية الأخرى من أجل إقناعهم بالعدول عن قرارهم والتنازل لها عن مقر واحدة من أهم المؤسسات المالية والنقدية في المنطقة، أم أن القرار صادر عن قناعة بأن السعودية لن تتنازل عن وجود المقر في عاصمتها باعتبارها الأكبر حجماً وسكاناً، فضلاً عن ضخامة ناتجها المحلي الإجمالي الذي يتراوح ما بين 55-60% من إجمالي الناتج في دول المنطقة مقابل 21% للإمارات، وبعد أن أصبحت السعودية العضو العربي الوحيد في مجموعة العشرين الاقتصادية العالمية؟

ربما رأت الإمارات أن وجود مقر المجلس النقدي في الرياض إلى جانب مقر الأمانة العامة لدول مجلس التعاون إنما يكرس نوع من الهيمنة السعودية على مؤسسات المجلس، وبالتالي يفقد الإمارات مركزاً مرموقاً كانت تطمح إليه وترى أنها تستحقه باعتبارها صاحبة أكبر احتياطي مالي عربي.

ومما لا شك فيه أنه سيكون لخروج الإمارات من الاتحاد-إذا لم يتم تداركه – تأثير مهم على مشروع الاتحاد النقدي، خاصة أنه جاء في وقت كانت تبدو فيه عُمان أقرب للعودة إلى المشروع من خلال سماحها للجان العمانية بالعودة للمشاركة في أعمال اللجان الفنية للاتحاد. ومن هنا فإن تمسك الدول الأخرى بالمشروع مهم جداً لاستمراره وللإبقاء على حيوية وتطور السوق الخليجية المشتركة. وإذا كانت أوروبا الموحدة قد نجحت في إصدار اليورو بدون مشاركة من الإسترليني الذي يعد من بين أهم أربع عملات في العالم ، فإن الاتحاد النقدي الخليجي يمكن أن يستأنف مسيرته بدون درهم الإمارات خاصة وأن الدول الأربع الأخرى تبدو حريصة على نجاح التوصل إلى عملة خليجية مشتركة.

وفي تقديري أنه إذا ما قررت الدول الأربع المتبقية المضي قدماً في إقامة مؤسسات الاتحاد النقدي، فإن المسيرة ستكون أسرع خطى بالنظر إلى أنه كلما قل عدد المتحاورين في كل اجتماع كلما أمكن التوصل إلى اتفاقات على النقاط المطروحة. المعروف أن الخطوات المتبقية تتمثل في الآتي:

1- استكمال تعيينات المجلس النقدي من الكوادر الفنية والإدارية.

2- اقرار شكل ووزن العملة الموحدة وسعر صرفها والسعر التبادلي لها مع العملات الحالية.

3- ممارسة المجلس النقدي لصلاحياته في رسم السياسة النقدية وفي إصدار العملة الموحدة وإدارة الاحتياطي النقدي أو جزء منه.

وربما يكون على الكويت أن تعود إلى ربط عملتها بالدولار إنسجاماً مع قرار سابق بجعل الدولار المثبت المشترك لعملات الدول الراغبة في إقامة الاتحاد النقدي فيما بينها. ومثل هذه الخطوة لو تمت سيكون لها تأثير إيجابي على مسيرة الاتحاد النقدي باعتبار أنها تبرز مدى اهتمام بقية الدول بهذا الاتحاد.

إن توحيد العملات الخليجية وإقامة الاتحاد النقدي أمر مهم لاستكمال الاتحاد الاقتصادي بين الدول الخليجية الذي وصل إلى محطة السوق الخليجية المشتركة. وإذا ما قام الاتحاد بين الدول الأربع فقط وظلت الإمارات وعمان خارجه مع إلتزامهما بتنسيق سياساتهما النقدية مع الاتحاد النقدي المنتظر، وبافتراض أن سعر صرف العملة الجديدة سيظل مرتبطاً بالدولار كما هو الحال مع الدرهم الإماراتي والريال العماني، فإن الأمل بعودة الإمارات وعمان إلى الاتحاد ستظل قائمة ولو بعد حين. لقد كان النجاح الخليجي وإن طالت رحلته في إقامة اتحاد اقتصادي مبعث فخر واعتزاز للعرب عامة وأهل المنطقة خاصة في إمكانية إنجاز اتحاد بينهم كما تفعل الدول الأخرى في الشرق والغرب، ونرجو أن لا تخبو شعلة الأمل في نفوسنا جميعاً وأن لا نرى نكوصاً لا مبرر له مهما ضغطت مصالحنا الفردية أو اشتدت الأزمات,