بشير يوسف الكحلوت/ مستشار اقتصادي
ظل موضوع شراء الحكومة للمحافظ العقارية من البنوك طاغياً على ما سواه من موضوعات اقتصادية خلال الأسبوع، وذلك من مدخلين الأول لجهة التساؤل عن تأثيره المحتمل على محافظ القروض العقارية، والثاني للمدى الذي يمكن أن يصل إليه تأثيره الذي أحدثه على أسعار الأسهم . لقد أدرك الناس بعد أول اجتماع بين مصرف قطر المركزي وقيادات البنوك الوطنية أن تطبيق القرار ليس بتلك السهولة التي مر بها قرار سابق بامتلاك محافظ أسهم البنوك، بل إنه يحتاج إلى مفاوضات ودراسات قبل التوصل إلى صيغة مقبولة لدى الطرفين قبل نهاية شهريونيو الحالي. وعندما بانت هذه الحقيقة للناس كان لا بد أن ينعكس ذلك سلباً على أداء السوق فحدث تراجع في أسعار الأسهم وخسر المؤشر نحو مائتي نقطة من أعلى مستوى وصل إليه في الأسبوع الماضي.
في موضوع محافظ الأسهم كانت العلاقة بين طرفين محددين هما البنوك الوطنية وجهاز الاستثمار وكانت السلعة واضحة المعالم تتمثل فيما لدى البنوك من أسهم بالأسعار التي كانت سائدة يوم 28 فبراير. وكان للبنوك حق قبول العرض أو التمسك بالأسهم إذا كانت ترى ذلك في مصلحتها، وكانت المحصلة أن امتنعت البنوك عن بيع الأسهم الخاسرة فتوقفت أسعارها عن التراجع ثم ارتفعت وارتفع المؤشر وتجاوز الجميع عنق الزجاجة في الأزمة.
أما في موضوع المحافظ العقارية فالمسألة بدت أكثر تعقيداً لأسباب عدة؛ فمن ناحية تنقسم المحافظ إلى نوعين الأول يتصل بالاستثمارات العقارية للبنوك داخل وخارج قطر، والثاني بالقروض العقارية. وعلى ضوء ما هو متاح من بيانات من النشرة الفصلية الأخيرة للمصرف المركزي، فإنني أقدر الاستثمارات العقارية للبنوك في الداخل والخارج بما لا يقل عن 40 مليار ريال، وتقدر حصة القروض العقارية هي الأخرى بنحو 35 مليار ريال (على أساس أن القروض العقارية يجب أن لا تزيد عن 15% من مجمل الودائع لدى البنوك التجارية و 20% في حالة البنوك الإسلامية، وأن مجمل الودائع قد بلغت 205 مليار ريال). ومن هنا فإن مجمل المحافظ الاستثمارية والقروض العقارية للبنوك الوطنية يقدر بنحو 75 مليار ريال. وبالطبع لا يمكن القول إن كل الاستثمارات العقارية هي من النوع الخاسر، أو أن كل القروض العقارية في وضع صعب، وإلا لاستلزم الأمر أضعاف المبلغ الذي تم اعتماده وهو 15 مليار ريال. كما أن المنطق يقول بأن هدف القرار الحكومي هو التخفيف من تداعيات الأزمة المالية العالمية على القطاع المصرفي بشراء المحافظ المتعثرة، وليس شراء كل المحافظ، ومن هنا جاء تقدير المبلغ المطلوب بـ 15 مليار ريال على أساس أنه مبلغ مناسب لتحقيق الهدف مع التسليم بأن الحاجة الفعلية لتجاوز آثار الأزمة بالكامل قد يزيد عن ذلك. ومع ذلك فإن توزيع مبلغ الدعم الحكومي بين الاستثمارات العقارية وبين القروض العقارية غير معلن وغير واضح.
ومن جهة أخرى، وفي غياب تعريف دقيق لما هو متعثر من استثمارات أو قروض، فإن المعلومات تبدو معدومة عن الطريقة التي سيتم بها توزيع الدعم الحكومي على البنوك القطرية؛ فهل هو بمقدار وزن كل بنك في مجمل البنوك القطرية من حيث رأس المال والاحتياطيات وبمقدار حجم الودائع وإجمالي التسهيلات الائتمانية؟، أم بمقدار تعثر كل بنك في مجال القروض والاستثمارات العقارية؟؟.
والخلاصة أن الناس قد أدركت منذ منتصف الأسبوع أن الموضوع غير محسوم كما كان الحال في حال محافظ الأسهم، بل يحتاج إلى تحديد دقيق لما سيتم إدراجه ضمن برنامج الدعم الحكومي لكل بنك على حدة، وإلى وضع قواعد محددة لما يمكن أن يدخل في هذا البرنامج أو لما يخرج منه. وإذا كانت الأمور تبدو أقل تعقيداً في حالة الاستثمارات العقارية، فإنها ليست كذلك في حالة القروض العقارية لوجود طرف ثالث مع الحكومة والبنوك هم المقترضون. وقد بدأ الناس يتسائلون عما ستؤول إليهم القروض التي ستصنف على أنها متعثرة، وما إذا كان التعامل مع المعسرين سيبقى مع البنوك، أم سينتقل إلى جهاز الاستثمار أو إلى الشركة التي ستؤسس لهذا الغرض. كما ثارت تساؤلات عن السياسة التي سيتم اتباعها مع المعسرين، وهل هي سياسة تصالحية تأخذ بعين الاعتبار الظروف القاهرة للمعسر أم أنها ستظل امتدادا للسياسات المتشددة التي كانت تضغط باتجاه السداد أو بيع العقار المرهون؟؟؟؟
هذه التساؤلات وغيرها ربما أقنعت بعض كبار المتعاملين في سوق الدوحة للأسهم بضرورة توخي الحذر والحيطة فمالوا إلى الخروج مبكراً من سوق الأسهم عند أول عملية تصحيح بعد تجاوز المؤشر لمستوى 7000 نقطة. وقد تستمر حالة الترقب في السوق لمدة أسبوع آخر بانتظار ظهور بوادر الاتفاق الذي سيعمل على ضخ خمسة عشر ملياراً في الجهاز المصرفي.
على أنه يمكن حدوث اختراق سريع في مباحثات مصرف قطر المركزي مع البنوك بشأن المحافظ العقارية، وذلك بالاتفاق على قواعد عامة لتقسيم مبلغ إل 15 مليار ريال بين البنوك، بحيث يتم توزيع المبلغ بمقتضى تلك القواعد على أن يجري البحث في التفاصيل في بقية الفترة المتبقية حتى نهاية شهر يونيو. ولو حدث مثل هذا الاتفاق فإنه سيعمل على عودة سوق الدوحة إلى الإخضرار سريعاً.
وهناك عامل آخر ربما يساعد في الإبقاء على بعض القوة الاستثنائية في السوق ويتمثل ذلك في تأثير التصريحات التي أطلقها سعادة المستشار إبراهيم إبراهيم وزير التخطيط التنموي في المنتدى الاقتصادي، والتي كرر فيها رأيه القائل بضرورة فك ارتباط الريال بالدولار. فإذا تبين أن تلك التصريحات قد زادت من تدفق السيولة الأجنبية على الجهاز المصرفي فإن ذلك سيعمل على رفع أسعار الأسهم. ولأن مثل هذه البيانات لا تكون متاحة للجمهور، فإن متابعة حجم تعاملات الأجانب في سوق الدوحة في الأيام القادمة تصبح مهمة لمعرفة اتجاهات التدفق لتلك السيولة، ومن ثم تأثيرها على أسعار الأسهم.
وبعد،،،، فذاك رأيي فيما حدث، وأحسب أنه صواب، وإن كنت أسلم دائماً بأنه يحتمل الخطأ.