متابعات اقتصادية
بقلم بشير يوسف الكحلوت
لم يكن مستغرباً أن يكشف معالي رئيس مجلس الوزراء الشيخ حمد بن جاسم يوم الخميس الماضي عن خطط حكومية لشراء محافظ قروض واستثمارات عقارية من البنوك القطرية بقيمة إجمالية تصل إلى 15 مليار ريال بحيث يتم التنفيذ قبل نهاية شهر يونيو القادم، فالحكومة القطرية درجت منذ تفجر الأزمة المالية العالمية على اتخاذ كل ما من شأنه الحفاظ على سلامة واستقرار الجهاز المصرفي البلاد والحيلولة دون وقوع الاقتصاد القطري في دوامة التداعيات الناشئة عن الأزمة، وما كان سيؤدي إليه ذلك في حال حدوثه لا سمح الله من تعثر في مسيرة التنمية التي تسارعت خطاها في السنوات الخمس الأخيرة. وإذا كانت معظم دول العالم وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية قد حرصت على تقديم كل الدعم اللازم لقطاعاتها المصرفية بما في ذلك ضخ بلايين الدولارات وخفض معدلات الفائدة فإن الحكومة القطرية قد نوعت في أدواتها المستخدمة ما بين هذه وتلك؛ ففي البداية كان الإعلان عن قرار بزيادة رؤوس أموال البنوك القطرية بما يتراوح ما بين 10-20% يدفعها جهاز الاستثمار للبنوك الراغبة في قبول مشاركتة لها في رؤوس أموالها دون المشاركة في مجالس إداراتها. وإلى جانب ما اتخذه مصرف قطر المركزي من قرارات لتوفير تسهيلات إضافية للبنوك منذ الربع الرابع من العام الماضي لدعم السيولة وحث البنوك على الإقراض، فإن الحاجة قد برزت في الربع الأول من العام إلى إجراءات وخطوات جديدة تتخذها الحكومة في ظل تراجع أسعار الأسهم وما أدى إليه ذلك حتى نهاية شهر فبراير الماضي من خسائر كبيرة لمحافظ البنوك الوطنية. وكان القرار الصائب بعرض شراء محافظ الأسهم لدى البنوك الوطنية بما تزيد قيمته عن 6 مليار ريال وفقاً للأسعار التي كانت سائدة يوم 28 فبراير 2009، مع ترك الخيار للبنوك في قبول العرض أو الاحتفاظ بالأسهم إذا ما رأت ذلك في مصلحتها. وكان للقرار تأثير إيجابي على أسعار الأسهم في سوق الدوحة للأوراق المالية حيث ارتفع مؤشر السوق بأكثر من ألفي نقطة في الفترة التي تلت صدور القرار.
ولم تكن الخطوات المشار إليها رغم أهميتها كافية لتخليص الجهاز المصرفي والاقتصاد القطري من علامات الوهن والضعف التي لحقت به من جراء الأزمة المالية العالمية، فالأزمة أصابت أيضاً قطاع العقارات حيث انخفض الطلب وتراجعت الأسعار بشدة بعد سنوات من الارتفاعات المتتالية، وزادت مخاطر التمويل العقاري، فتوقفت البنوك عن الإقراض والتمويل لهذا القطاع الهام، وتأجل تنفيذ العديد من المشروعات، وانكمش الطلب، وتخلف عن المعروض، فانخفضت الأسعار. ورغم أن التسهيلات التي قدمها مصرف قطر المركزي، والإجراءات التي اتخذتها الحكومة كانت قد بدأت تُثمر تحسناً على أداء البنوك وفقاً لما أشارت إليه البيانات المصرفية لشهر مارس، إلا أن هذا التحسن لم يكن بالقدر الذي ينسجم مع الخطط الطموحة للحكومة في مجال التطوير العمراني. ومن هنا كان لا بد من علاج آخر تضيفه الحكومة إلى وصفتها المتكاملة للتخلص من آثار وتداعيات الأزمة المالية العالمية، وتمثل هذا العلاج في خطة شراء محافظ البنوك العقارية.
ومن المتوقع أن يكون لهذه الخطوة عدة تأثيرات مهمة نوجز بعضها في الآتي:
أولاً: في سوق الأسهم سترتفع أسعار أسهم الشركات بوجه عام والبنوك وشركات الاستثمار والعقارات بوجه خاص، وسيستمد مؤشر سوق الدوحة قوة إضافية من هذه الخطوة تمكنه من اختراق حاجز 7000 نقطة وتجاوزه أيضاً. ومن المنتظر أن ترتفع أسعار أسهم البنوك الإسلامية بوجه خاص باعتبار أنها كانت متضررة أكثر من تدني قيمة القروض والاستثمارات العقارية.
ثانياً: سيؤدي ارتفاع أسعار الأسهم إلى تحقيق معظم الشركات التي لديها استثمارات في البورصة أرباحاً جيدة في الربع الثاني، ومن ثم يعمل ذلك على مواصلة ارتفاع أسعار الأسهم خلال الربع الثالث.
ثالثاً: ستؤدي الخطوة إلى توقف البنوك عن بيع بعض استثماراتها العقارية الخاسرة فيتباطأ تراجع أسعار العقارات أو يتوقف عن التراجع، وفي ذلك مصلحة للبنوك والشركات العقارية والمواطنين، وهو ما سيمكن القطاع الخاص من استئناف نشاطه العقاري دونما خشية من حدوث خسائر جديدة. الجدير بالذكر أن معدل التضخم في الربع الأول قد انخفض قريباً من الصفر، وتشير التوقعات إلى احتمال أن يكون المعدل سالباً في الربع الثاني، وتؤثر هذه التوقعات سلباً على نشاط رجال الأعمال الذين يحجمون عن اتخاذ مبادرات وتنفيذ مشروعات جديدة عندما يكون التضخم منخفض جداً أو سلبي.
رابعاً: أن أهم ما في هذه الخطوة الجديدة أنها خطوة استباقية، تأتي في موعدها قبيل صدور ميزانيات البنوك لفترة الربع الثاني من العام، فإذا كانت الفترة المناظرة من العام الماضي قد شهدت ذروة الارتفاع في النشاط العقاري وفي أسعار العقارات، فإن بيانات هذا العام ستكون منخفضة عن مستوياتها في عام 2008، ومن ثم فإن هذا الإجراء يحسن من مستوى الإداء لهذا العام ويعالج الخلل الذي تسببت الأزمة العالمية بحدوثه.
تظل بعد ذلك نقطتان الأولى هي أن القرار الجديد يفسر إلى حد كبير أسباب الارتفاع الذي حدث في سوق الأسهم بأكثر من 1200 نقطة على مدى ثلاثة أسابيع ما بين الخامس من شهر مايو والسادس والعشرين منه، وارتفاع أسعار أسهم شركات بعينها مثل سهم شركة بروة، فالأمور مهما أحيطت بالسرية والكتمان يظل هناك مجال للتسريبات بشأنها، وتلك طبائع الأشياء التي تحدث في كل مكان وزمان.
وأما النقطة الثانية فتتصل بمدى كفاية المبلغ المعتمد لهذه الخطوة وهو 15 مليار ريال في علاج الأضرار التي لحقت بالمحافظ العقارية للبنوك. ومن المؤكد أن الموضوع قد خضع لدراسات مستفيضة على مدى الشهور الماضية من جانب الجهات المعنية، وأن اختيار هذا الرقم بالذات لم يكن عشوائياً بل مستنداً إلى بيانات فعلية للقيمة الدفترية الصافية للقروض والاستثمارات العقارية للبنوك.
وبعد،، فهذا رأيي فيما حدث أطرحه للقراء الأعزاء بمظنة أنه صواب، وهو قد يحتمل الخطأ في بعض جوانبه، فعذراً لكم إن كنت قد أخطأت.