بقلم بشير يوسف الكحلوت
كان التراجع الحاد الذي لحق بأسعار الأسهم في بورصة قطر مثار استغراب ودهشة الكثير من المتعاملين والمحللين الذين كانوا يؤملون النفس بارتفاع في الشهور القادمة بعد أن كسر المؤشر حاجز 7000 نقطة. وبدلاً من أن يحدث ارتفاع جديد فوق 7500 نقطة إذا بالمؤشر يهوي قرابة 900 نقطة من أعلى مستوى وصل إليه بعد انتفاضة الأسعار في شهر مايو، فما الذي حدث؟ ولماذا هذه الانتكاسة؟
أشير بداية إلى أن موجة التراجع الجديدة قد حدثت بعد ارتفاع كبير في الأسعار وفي قيمة المؤشر على مدى شهرين وفي شهر مايو على وجه الخصوص بحيث كسب المؤشر قرابة 3000 نقطة ما بين 4400 نقطة و7400 نقطة تقريباً، أي بنسبة ارتفاع تزيد عن 68%، وبالتالي فإن من كان لديه الشجاعة ليشتري الأسهم عند أدنى مستوياتها قد حقق أرباحاً بنسب عالية عندما تجاوز المؤشر مستوى 7400 نقطة. وعندما بدا لهؤلاء أن السوق غير قادر على تحقيق مستويات أعلى في المرحلة الراهنة فإنهم آثروا السلامة وبدأوا يجنون أرباحا ممتازة بدلاً من المخاطرة بانتظار حدوث زيادة غير مضمونة ومن ثم غير مأمونة في الأسعار.
وقد كان من بين العوامل الأخرى التي ربما عززت قرار الراغبين في البيع ومنهم بالطبع محافظ كبيرة أن الفترة الحالية قد شهدت القليل من الأخبار المشجعة وبعض الأخبار الغير مطمئنة، فمن ناحية لم يكن تنفيذ قرار شراء قروض واستثمارات المحافظ العقارية بتلك السرعة التي حدث بها قرار مماثل عن الأسهم، ومن ثم تأخر ضخ الخمسة عشر مليار ريال إلى البنوك قرابة الشهر، وأعلنت بروة أن جانباً من عملياتها في جنوب أفريقيا تواجه مشاكل، وأعلنت هيئة أسواق المال عن مجموعة من الضوابط الجديدة التي ربما دفعت بعض مديري الحقائب الاستثمارية إلى تسييل ما لديهم من أسهم امتثالاً لتلك القرارات. وصدرت في الوقت ذاته مجموعة من البيانات على المستوى العالمي أكدت في مجملها أن اقتصاد العالم لا يزال يُمعن في الركود، مما أدى إلى تراجع مؤشرات الأسهم الرئيسية في العالم وفي المنطقة.
ولأننا أصبحنا على بُعد أسابيع قليلة من الإعلان عن نتائج النصف الأول من العام الحالي، فإن ترقب تلك النتائج، كان أدعى للاحتفاظ بالأسهم على اعتبار ما جرت إليه العادة من حدوث ارتفاعات في الأسعار بشكل متوازٍ مع الأخبار الطيبة عن أرباح الشركات، ومن احتمالاتٍ لتوزيعات نقدية في آخر العام. إلا أن المخاوف من حدوث تراجع في النتائج بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية، قد ضغط باتجاه بيع الأسهم خاصة وأن نتائج النصف الأول من العام الماضي كانت استثنائية جداً ومرتفعة جداً، مما يجعل من الصعب تجاوزها في ظل الأزمة العالمية.
وجاء اللقاء المفتوح لمعالي رئيس مجلس الوزراء مع رجال الأعمال في قطر، ورغم أهمية الموضوعات التي طرحها معاليه في اللقاء وحديثه باستفاضة عن المستقبل الواعد للاقتصاد القطري وعن استراتيجية التنمية الاقتصادية في قطر بمحاورها الثلاثة، وعن سلامة المؤشرات الاقتصادية وارتفاع معدل النمو الاقتصادي في عام 2008، إلا أن معاليه لم يفجر في اللقاء مفاجآت جديدة من النوع الذي يشد المتعاملين في سوق الأسهم، كما أنه تكلم بصراحة عن التحديات التي تواجه الاقتصاد القطري في ظل تداعيات الأزمة المالية العالمية، وبسبب الانفتاح الاقتصادي القطري على العالم في ظل اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، وما يتطلبه ذلك من رفع الحماية عن المنتجات الوطنية لتكون قادرة على المنافسة العالمية بقوة.
كانت هذه في مجملها الأجواء التي عاشتها بورصة قطر خلال الأسابيع الماضية، والعوامل التي ضغطت على الأسعار لتنخفض في الأسبوع الماضي بشكل متسارع إلى ما دون السبعة آلاف نقطة.، فهل تتماسك الأسعار عند مستوى الدعم الفني البالغ 6500 نقطة أم تواصل تراجعها المؤلم في الأسابيع القادمة؟
من الناحية الفنية فإن هبوط المؤشر بنحو 900 نقطة وبما نسبته 30% من أعلى مستوى وصل إليه يُعد تصحيحاً لا بد منه بعد ارتفاع بلغ 3000 نقطة في شهرين. ومن ثم فإن تماسك السوق فوق مستوى 6500 نقطة يعتبر أمراً ضرورياً لضمان عودة المؤشر ثانية إلى الإرتفاع. وهناك بعض التطورات الإيجابية المساندة التي قد تدفع في هذا الإتجاه ومنها إعلان مصرف قطر المركزي عن استكمال إجراءات شراء المحافظ والاستثمارات العقارية من البنوك، وأنه قد تم تخصيص المبالغ للبنوك المستفيدة واستكمال عملية الدفع. ومن جهة أخرى تمت مع نهاية الأسبوع إجراءات تحويل سوق الدوحة للأوراق المالية إلى بورصة قطر بشراكة أمريكية بنسبة 20%. ويهدف هذا التحول إلى استفادة بورصة قطر من خبرة الشريك الأجنبي في مجالي التقنيات المستخدمة والمنتجات المطروحة من أجل تطوير السوق والإرتقاء به إلى مستوى العالمية. ومثل هذا التطور سيعمل على إعادة المستثمرين الأجانب ودخول المزيد منهم إلى البورصة في المستقبل القريب.
هذه التطورات المساندة قد تعمل على دعم الأسعار ومؤشر السوق فوق مستوى 6500 نقطه وتعيده إلى الارتفاع ثانية ولو بالتدريج حيث أن المجال مفتوح الآن لحركة المؤشر ألف نقطة إلى 7500 نقطة. وهذا الصمود والارتفاع عند هذه المستويات أمر ممكن في ظل المستويات المتدنية للمؤشرات الفنية ومنها مكرر الربح –أو نسبة السعر إلى عائد السهم-، مع قُرب إنقضاء نصف العام ومن ثم اقتراب موسم توزيع الأرباح.
أما إذا هبط المؤشر دون 6500 نقطة في الأيام القادمة فإن ذلك قد يكون مؤشراً سلبياً على احتمال عودة السوق إلى التراجع، وعلى أن الارتفاع الذي حدث في شهري مايو ويونيو كان استثنائياً وليس أصيلاً، ضمن مسلسل التدهور الذي بدأ منذ أغسطس 2008 عندما وصل المؤشر إلى ذروته.
وبعد…فإن هذا رأيي فيما حدث وما قد يحدث، وهو كما كان غيره في السابق صواب ولكنه يحتمل الخطأ.