هل ارتفع معدل التضخم في قطر في شهر مايو إلى 3.9%؟؟

بقلم بشير يوسف الكحلوت

صدرت قبل أيام عن جهاز الإحصاء الأرقام القياسية للأسعار في قطر عن شهر مايو مقارنة بالمستويات المناظرة لها في الشهور السابقة، فما هي دلالة الأرقام الجديدة، وأين أصبح معدل التضخم الذي سبق له أن انخفض بشدة في الربع الأول إلى ما دون الصفر، مقارنة بما نسبته 13.2% في الربع الرابع من العام 2008؟

مما تجدر لإشارة إليه أن ذلك الإنخفاض كان مفاجئاً، ليس للعامة وجمهور الناس فحسب وإنما لأهل الاقتصاد الذين توقعوا انخفاضه ولكن ليس بهذه الحدة والسرعة. وبالنسبة لعامة الناس فإن دهشتهم كانت نابعة من ربطهم بين مستويات الأسعار ومعدل التضخم، وأنه طالما أن الأسعار لا تزال مرتفعة فإن معدل التضخم يجب أن يظل كذلك. والحقيقة المعروفة لأهل العلم والاختصاص أن معدل التضخم يقيس نسبة التغير الذي يطرأ على مستويات أسعار سلة من السلع والخدمات في سنة كاملة ولا علاقة له بمستويات تلك الأسعار، ولذلك عندما انخفضت أسعار بعض السلع والخدمات وارتفعت أخرى وكان التغير في المتوسط المرجح صفراً أو أقل من ذلك، مقارنة بما كان عليه الحال في الربع الأول من عام 2008، فإن النتيجة المنطقية لذلك هي هبوط معدل التضخم إلى الصفر مقارنة بمعدل تضخم 13.2% في الربع الرابع من العام 2008. وكان مرد اندهاش الكثير من أهل الاقتصاد، أنهم ظنوا أن الانخفاض سيأتي بالتدريج وليس دفعة واحدة، وهم في ذلك قد أغفلوا التأثير القوي للأزمة المالية العالمية على معطيات العرض والطلب على السلع والخدمات في قطر، حيث انكمش الطلب في الوقت الذي زاد فيه العرض. كما حدث في نفس الفترة ارتفاع كبير في سعر صرف الريال مقابل بعض العملات مما أدى إلى تحسن القوة الشرائية للريال.

وفي تحليلنا للأرقام الجديدة لا بد أن نشير بداية إلى أنه قد طرأ تغير جوهري منذ بداية العام على أسلوب جهاز إحصاء قطر في إصدار الأرقام الخاصة بأسعار الاستهلاك، إذ أصبحت تصدر شهرياً بدلاً من الإصدارات الفصلية كل ثلاثة شهور كما تغيرت سنة الأساس إلى 2006 بدلاً من 2001، وتوقفت الإدارة بالتالي عن حساب معدل التضخم الذي هو المعدل السنوي للتغير في الأسعار لعدم وجود أسعار شهرية مناظرة في السنة السابقة. وحدث أيضاً تغير في أوزان مجموعات السلع والخدمات( أي الأهمية النسبية لكل مجموعة في السلة) ليتناسب مع المستويات الفعلية الجديدة لإنفاق متوسط الأسر في سنة الأساس الجديدة التي هي 2006، ومن ذلك أن وزن مجموعة الإيجار والوقود قد ارتفع إلى 32.2%، وارتفع وزن مجموعة أسعار النقل والمواصلات إلى 20.5%، في حين انخفض وزن مجموعة الغذاء والمشروبات إلى 13.2%.

وعندما نأخذ أرقام شهر مايو سنجد أنها شكلت أول زيادة شهرية ملموسة في العام الجديد بعد تراجع الأسعار في الشهور الثلاثة الأولى واستقرارها في أبريل. فقد ارتفع الرقم القياسي العام للأسعار بنسبة 0.55 % أو نصف بالمائة تقريباً عن شهر أبريل، وجاءت الزيادة محصلة لارتفاع أسعار الإيجارات بنسبة 0.8% والنقل والمواصلات بنسبة 0.8% والتسلية والترفيه والثقافة بنسبة 2.7%، ومجموعة العناية الطبية بنسبة 1.1%، مع انخفاض أسعار الملابس والأحذية بنسبة 1.7% والغذاء والمشروبات بنسبة 0.3%.

ولكن الأرقام القياسية للأسعار رغم ارتفاعها عن شهر إبريل إلا أنها لا تزال منخفضة مقارنة بما كانت عليه في الربع الرابع من العام 2008 حيث سجل الرقم العام تراجعاً بنسبة 2% في شهر مايو إذا ما قورن بنظيره في الربع الرابع،كما أن جميع الأرقام القياسية الفرعية لمجموعات السلع والخدمات كانت لا تزال في حالة تراجع إذا ما قورنت بمستوياتها في الربع الرابع لعام 2008.

ومن هنا يثور السؤال عما إذا كان أي من النسب المشار إليها أعلاه يعكس حقيقة ما وصل إليه معدل التضخم في قطر في شهر مايو 2009، فهل المعدل هو الزيادة الشهرية البالغة 0.55% عن أبريل، أم هو الزيادة البالغة 2% عن الربع الرابع من العام 2008؟ الحقيقة أن معدل التضخم لا هو بهذا ولا ذاك، وإنما هو نسبة التغير الذي حدث على الرقم القياسي العام في شهر مايو مقارنة بنظيره في مايو 2008. ولأن هذه الأرقام الأخيرة غير متوافرة، فإننا سنستعيض عنها بأرقام الربع الثاني من العام 2008 مع تعديلها بما يتوافق مع سنة الأساس الجديدة، مع أخذ الأوزان الجديدة لمجموعات السلع والخدمات بعين الاعتبار عند حساب الرقم العام للأسعار. وبعد إجراء هذه المعالجات الإحصائية تبين لنا الآتي:

1- أن معدل التضخم السنوي في شهر مايو قد بلغ 3.9% مقارنة بالربع الثاني من العام 2008.

2- أن معظم المجموعات قد سجلت ارتفاعاً في المعدل السنوي، حيث ارتفع الرقم الخاص بمجموعة الإيجار والوقود بنسبة 2.3% وارتفع رقم مجموعة الغذاء والمشروبات بنسبة 7.4%، والتسلية والترفيه 6.4% والسلع والخدمات المتفرقة 9.2%، والملابس والأحذية 4.1%، ومجموعة العناية الطبية والخدمات الصحية بنسبة 2.5%.

3- أن الرقم القياسي لمجموعة النقل والمواصلات قد انخفض بنسبة 2.8% وأن رقم الأثاث والأجهزة المنزلية قد انخفض بنسبة 1.7% على معدل سنوي.

هذه التقديرات لمعدل التضخم في قطر هي تقديرات شخصية على ضوء ما هو متاح من بيانات عن الأرقام القياسية للأسعار في موقع جهاز الإحصاء، وفي غياب تقديرات رسمية توضح للجمهور مستوى معدل التضخم. فالأرقام القياسية المنشورة في الموقع لا تفي بمفردها بهذا الغرض، ولا بد من أن يواكبها شرح لمدلولاتها ومعانيها بحيث يقف الجمهور على مستوى معدل التضخم في قطر أولاً بأول. وإذا كان معدل التضخم قد عاد للارتفاع بعد أن هبط إلى ما دون الصفر في مارس، فإن ذلك نتيجة منطقية لعودة سعر صرف الدولار إلى الانخفاض في مايو، وبسبب ما صاحب ارتفاع أسعار النفط، وما نتج عن الإجراءات الاقتصادية الحكومية من عودة النشاط إلى الحياة الاقتصادية في قطر.