الاقتصاد القطري بين التراجع الإسمي والزيادة الحقيقية في الناتج

بقلم بشير يوسف الكحلوت

مستشار اقتصادي بمنظمة الخليج للاستشارات الصناعية

تراجع الناتج المحلي الإجمالي القطري في الربع الأول من العام بما نسبته 17.5% عما كان عليه في الربع المناظر من العام 2008 وبنسبة 8.7% عن الربع السابق، فهل تخالف هذه البيانات الرسمية الصادرة عن جهاز الإحصاء القطري، ما كان يتردد في الشهور السابقة من أن الاقتصاد القطري سيكون استثناءاً بين الاقتصادات في المنطقة ويحقق معدل نمو مرتفع في عام 2009 تراوحت تقديراته ما بين 7-14%؟

الحقيقة أن الأرقام المعلنة هي عن الربع الأول من العام فقط وليس لكل العام، وهي بالأسعار الجارية وليست بالأسعار الثابتة ، أما التصريحات السابقة التي صدرت عن نمو الاقتصاد القطري وبعضها منسوب لصندوق النقد الدولي فهي عن نمو حقيقي وليس نمو إسمياً أي باستبعاد أثر التغير في الأسعار.

ومن هنا فإن الأرقام التي صدرت في الأسبوع الماضي والتي أظهرت تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 17.5% على معدل سنوي-أي بالمقارنة بأرقام نفس الفترة من العام 2008- فهي صحيحة كونها محسوبة بالأسعار الجارية وتأخذ بعين الاعتبار أن أسعار النفط قد انخفضت بشدة ما بين الربع الأول من العام 2008 والربع الأول من العام 2009، ناهيك عن تراجع انتاج قطر من النفط الخام التزاماً بقرارات منظمة الأوبك. والحقيقة أنه باستثناء ناتج قطاع الصناعة التحويلية الذي انخفض أيضاً بما نسبته 18.2 على معدل سنوي، فإن نواتج بقية القطاعات قد سجلت زيادات متفاوتة عما كانت عليه في الربع الأول من العام 2008.

فناتج قطاع التشييد والبناء الذي من الصعب تصور توقفه فجأة لارتباطه بعقود يستلزم تنفيذها سنوات، سجل زيادة بنسبة 20.7% عن الربع المناظر وإن كان معدل نموه عن الربع السابق قد تباطأ إلى 2.9% فقط. وسجل ناتج قطاع الكهرباء والماء الذ يرتبط عادة بقطاع التشييد والبناء، زيادة بنسبة 12.6% عن الربع المناظر و 8% عن الربع السابق. وسجلت القطاعات الأخرى زيادات ملموسة عن الربع المناظر وإن كانت في الوقت نفسه قد بدأت تتراجع عن المستويات العالية التي بلغتها في الربع الرابع من العام 2008. فقطاع النقل والإتصالات نما بنسبة 19.8% عن الربع المناظر وتراجع بنسبة 5.9% عن الربع السابق، وقطاع المال والتأمين والعقارات وخدمات الأعمال قد نما بنسبة 36% عن الربع المناظر في عام 2008، ولكنه تراجع بنسبة 1.5% عن الربع السابق، وقطاع التجارة والمطاعم والفنادق قد نما بنسبة 9.3% عن الربع المناظر وتراجع بنسبة 5.1% عن الربع السابق.

المحصلة أن التراجع في أسعار النفط قد أدى إلى حدوث تراجع في الناتج المحلي الإجمالي القطري بالأسعار الجارية هو الأول من نوعه منذ سنوات طويلة، ليس ذلك فقط وإنما حدوث تراجع في نسبة مساهمة قطاع النفط والغاز في إجمالي الناتج المحلي الإجمالي إلى 43.2% فقط مقارنة ب 61% في عام 2008.

وهذه الصورة مرشحة للتغيير جزئياً في الربع الثاني من العام استناداً إلى مجموعة من المعطيات الهامة من بينها:

1- أن متوسط سعر النفط في الربع الثاني من العام قد ارتفع إلى قرابة 60 دولاراً في المتوسط مقارنة بأقل من 40 دولار للبرميل في الربع الأول. هذه الزيادة التي تصل نسبتها إلى أكثر من 35% ستكون إيجابية وفي صالح زيادة الناتج المحلي الإجمالي عن الربع الأول.

2- أن أسعار المنتجات الصناعية قد تحسنت عما كانت عليه في الربع الأول من العام.

3- أن أداء قطاع البنوك من المفترض أن يكون قد تحسن في الربع الثاني نتيجة البرامج التي اعتمدتها الحكومة ومن بينها شراء المحافظ العقارية الخاسرة من البنوك، وعود النشاط إلى القطاع المصرفي.

4- أن الرقم القياسي للأسعار في قطر قد ارتفع في الربع الثاني إلى 3.9%-كما أشرت إلى ذلك في المقال السابق-بعد أن هبط إلى دون الصفر في الربع الأول، وفي ذلك إشارة إلى تحسن مستوى النشاط الاقتصادي.

هذا التحسن في مستويات الإنتاج والأسعار في الربع الثاني من شأنه أن يرفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة لا تقل عن 15% عن الربع الأول، ليصل إلى نحو 82 مليار ريال، ولكنه سيظل مع ذلك دون مستواه المناظر في الربع الثاني من العام 2008 البالغ 96.6 مليار بما نسبته 15%. أي أن التغير المنتظر في الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني سيكون على الأرجح –حسب المؤشرات المتاحة- بزيادة 15%عن الربع الأول، وبانخفاض نسبته 15% عن الربع الثاني من العام 2008.

وعلى ضوء التقديرات المشار إليها أعلاه عن الربعين الأول والثاني من العام فإن الناتج المحلي الإجمالي للنصف الأول من العام 2009 سيكون على الأرجح –وحسب توقعاتي الشخصية- في حدود 153 مليار ريال بانخفاض نسبته 16% عن النصف الأول من العام 2008.

ومن المنتظر أن تطرأ بعض العوامل الإيجابية على صورة الاقتصاد في الربع الثالث من العام بعد أن ارتفع إنتاج قطر من الغاز المسال نتيجة دخول وحدات إنتاجية جديدة، وسيؤدي ذلك إلى زيادة حقيقية في الناتج المحلي الإجمالي، فضلاً عن الزيادة في الانتاج بالأسعار الجارية. وبالنتيجة، فإن الناتج المحلي الإجمالي في عام 2009 ككل سيكون بالأسعار الجارية أقل من مثيله في عام 2008 بما نسبته 15% أو في حدود 310 مليار ريال، وإن كانت الزيادات في الكميات المنتجة، وفي حجم الخدمات المقدمة في قطاعات الكهرباء والماء، والنقل والاتصالات وغيرها ستبقي على الاقتصاد في حالة نمو حقيقي بنسبة لا تقل عن 5%، ويتوقعها البعض بأكثر من ذلك.

وبعد… فهذه قراءة خبير متخصص لأرقام الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول من العام 2009، وتوقعاته بشأن ما ستكون عليه الصورة الكلية للاقتصاد القطري في عام 2009، وهذه الأخيرة قد يطرأ عليها تبديل وتغيير إذا ما جاءت الحقائق بعد ذلك مخالفة للتوقعات، كأن ترتفع أسعار النفط أو تنخفض بشدة عن مستوياتها الراهنة.