تراجع مؤشر السوق… الأسباب والتوقعات

بقلم بشير يوسف الكحلوت/مستشار اقتصادي

تنفس المتداولون الصعداء يوم الخميس بارتفاع مؤشر السوق وأسعار الأسهم بعد عدة أسابيع من التراجع شبه المستمر، بحيث فقد المؤشر نحو 1500 نقطة في أربعة أسابيع ما بين بداية الأسبوع الثاني من يونيو ونهاية اليوم الثامن من يوليو الحالي، فما الذي دفع الأسعار إلى التراجع ، وهل من أمل في عودتها للارتفاع مرة أخرى في الأسابيع القادمة؟

لا بد أن نشير بداية إلى أن التراجع في الأسعار والمؤشر على مدى الأسابيع الماضية كان مخيباً لآمال الكثيرين الذين أعادتهم الارتفاعات المتتالية للأسعار منذ بداية شهر مارس- أي في ثلاثة شهور متتالية- إلى السوق ثانية على أمل تعويض ما فاتهم أو ما أصابهم من خسائر مؤلمة منذ خريف عام 2008. وكانت القرارات الحكومية المتعاقبة لشراء محافظ الأسهم ثم شراء المحافظ العقارية والاستثمارات العقارية المتعثرة لدى البنوك أكثر من حافز على تلك العودة باعتبار أنها دليل على خروج البنوك من تداعيات الأزمة المالية العالمية. وفي تلك الفترة كانت أسعار النفط تعود إلى الارتفاع بقوة بحيث تضاعف سعر البرميل ما بين بداية العام وشهر يونيو بوصول السعر إلى أكثر من 70 دولاراً للبرميل. وكانت هذه التطورات كفيلة برسم صورة وردية لواقع الاقتصاد القطري في وقت كان العالم فيه –ولا يزال- يعاني من تبعات الأزمة العالمية. ومن هنا يمكن القول إن التراجع في الأسعار ومؤشر السوق على مدى الأسابيع الماضية كان مستغرباً بعض الشيئ ، خاصة بعد أن تمكن المؤشر من اختراق حاجز 7000 نقطة.

وقد استشعرت في وقت سابق خطورة ما يجرى، وكتبت مقالاً يوم 21 يونيو أنبه فيه إلى أن الأسعار قد تهبط إلى ما دون 6500 نقطة وأن ذلك إذا ما حدث فسوف يضغط على المؤشر أكثر باتجاه المزيد من التراجع، وهو ما حدث بالفعل في الأيام الأخيرة عندما هبط المؤشر إلى ما دون 5900 نقطة.

وهناك من يرى أن ما حدث من تراجع في الأسعار كان نتيجة مباشرة لقرارات صادرة عن هيئة السوق تمنع تداولات الوكلاء نيابة عن المستثمرين، وأن صدور هذه القرارات قد استتبع بالضرورة عمليات تصفية مراكز وتوقف كبار الوكلاء منهم عن التداول أو عن إبرام صفقات جديدة مما أضعف حجم التداول وهبط بالأسعار والمؤشر على نحو ما أشرنا.

وهناك من يرى في المقابل أن الأسعار قد هبطت بعد أن بدأ الأجانب عمليات بيع لجني الأرباح بعد أن تبين لهم أن المؤشر لن يتمكن من تحقيق ارتفاعات مهمة بعد تجاوزه مستوى 7450 نقطة في الأسبوع الأول من يونيو الماضي. وتؤكد الأرقام المتاحة عن هذا الموضوع صواب ما ذهب إليه هذا الفريق من المحللين.

فالمعروف أن صافي تعاملات الأجانب في شهري يناير وفبراير كانت سالبة- أي بالبيع الصافي- بقيمة 450 مليون و 144 مليون ريال على التوالي، وكان ذلك أحد أسباب تراجع الأسعار في تلك الفترة. ثم عاد الأجانب إلى السوق ثانية بما مجموعه 243 مليون ريال( شراءصافي)، في شهر مارس وتضاعف الرقم إلى 480 مليون ريال في شهر ابريل، ثم زاد بمقدار 547 مليون ريال في شهر مايو.

وواصل الأجانب عمليات الشراء المكثف في الأسبوع الأول من يونيو بما قيمته 266 مليون ريال صافي، وتزامن ذلك مع وصول المؤشر إلى القمة التي أشرت إليها وهي 7450 نقطة. وفي الأسبوع الثاني كان زخم مشتريات الأجانب الصافية من الأسهم قد تراجع إلى 41 مليون ريال فقط، ثم انعكس الإتجاه في الأسابيع التالية ليتحول إلى بيع صافي بقيمة 50 مليون ريال في الأسبوع الثالث من يونيو، ثم بيع صافي بقيمة 89 مليون ريال في الأسبوع الأخير. وقد تزامن هذا التحول من الشراء إلى البيع مع ما شهده السوق من تراجع في الأسعار. ورغم أن الأسبوع الأول للتداول في يوليو – أي يومي الأربعاء والخميس الأول والثاني من يوليو قد شهدا عودة من جانب الأجانب للشراء الصافي بما قيمته 53 مليون ريال إلا أن ذلك لم يدم وعاد الأجانب للبيع الصافي خلال الأسبوع الثاني من يوليو بما مجموعه 45 مليون ريال.

هذه الأرقام المجمعة من تقرير منشور على الموقع المتخصص أرقام دوت كوم تشير بما لا يدع مجالاً للشك إلى أن تحول الأجانب إلى البيع على مدى الأسابيع الأربعة الماضية تقريباً قد ضغط على الأسعار وعكس اتجاه السوق .على أن ذلك لا يمنع أن يكون للعامل الأول المتمثل في قرارات السوق القاضية بمنع الوكلاء من التعامل في السوق أثره الإضافي في إضعاف حجم التداول والضغط سلباً على الأسعار.

وإذا كان انخفاض الأسعار والمؤشر دون مستوى 6000 نقطة خلال الأسبوع الماضي قد ساعد على توقف عمليات البيع، فإن عودة الأجانب إلى الشراء لتكوين محافظ جديدة عند هذه المستويات المنخفضة للأسعار قد يعيد التوازن المفقود للسوق ويحول دون استمرار هبوط المؤشر. ومع ذلك أجد أنني أقف مع المطالبين بحل وسط لموضوع الوكلاء بما يدفع أو يعزز من حجم التداول . ولا يمنع ذلك بالطبع من البحث في صيغ مقبولة لحفظ الحقوق ومنع التجاوزات التي قد تنشأ في حالات محدودة. وإذا ما صدرت تصريحات بهذا الخصوص عن النية لمراجعة الموضوع، فإنها ستدفع باتجاه ارتفاع الأسعار والمؤشر في الأسابيع القادمة.

وبعد فذلك رأيي الخاص، وهو كما ترون يحتمل الصواب والخطأ، وإن كنت أميل إلى ترجيح صوابه، والله من وراء القصد…