صور مؤلمة وأخرى مشرقة من واقعنا الذي نعيشه

متابعات اقتصادية

صور مؤلمة وأخرى مشرقة من واقعنا الذي نعيشه

بقلم بشير يوسف الكحلوت

أتناول في مقال اليوم التعليق على أكثر من موضوع مما جرى حولنا من موضوعات تستمد أهميتها من تأثيرها البالغ على مجريات حياتنا في واقعنا ومستقبلنا، ، وأشير بوجه خاص إلى إقرار الضريبة الجديدة للدخل في قطر، وفعاليات مؤتمر مكافحة الفساد، وتكريم دولة قطر للمبدعينن واختم بالتعليق في سطور قليلة على ما جرى في بورصة قطر في الأسبوع الماضي.

ولكنني أبدأ قبل ذلك بتسجيل ملاحظة هامة يجب أن ننتبه إليها كعرب جيداً وهي مسألة انتقال الأوروبيين مع نهاية الأسبوع الماضي إلى محطة هامة في مشروع وحدتهم التاريخي، هي تعيين رئيس غير دوري للاتحاد الأوروبي، تستمر ولايته أربع سنوات. هذا يعني أن دول الاتحاد الأوروبي التي فرقتها اللغة، والعداوات والكراهية بعد قرون من الحروب الدامية، قد جمعتها المصالح المشتركة فحققت خطوة هامة إلى الأمام نحو تبوأ المكانة الأولى عالمياً كقوة سياسية واقتصادية. فبعد أن أصبح اقتصادها الأول في العالم بناتج محلي إجمالي يزيد في عام 2008 عن 18 تريليون دولار، وبعد أن تهاوى الدولار أمام عملتها الموحدة اليورو، فإنها اليوم تقترب من التحول إلى قوة عظمى متحدة في مواجهة الولايات المتحدة وروسيا والصين. ومما يحز في صدورنا جميعاً أن يحدث ذلك في الوقت الذي تسجل فيه الوحدة العربية تقهقراً وتشرذماً في كل يوم، وفي حين تتعرض دولنا العربية إلى عمليات تقطيع أوصال وفتن وحروب داخلية كالذي يجري في اليمن والسودان والعراق وفلسطين، إذا بالعلاقات التاريخية بين مصر والجزائر تهتز من الأعماق بسب التنافس الأعمى حول نتيجة مبارة من أجل الترشح لمونديال جنوب أفريقيا. ورغم إدراكي العميق بوجود ملايين من العقلاء في الجانبين، إلا إن حفنة طائشة هنا وهناك قد استطاعت توظيف ما حدث لمصالحها الشخصية، ولولا لُطف الله بأن البلدين تفصلهما عن بعضهما الآف الكيلومترات، لقامت حرب ضروس كحرب داحس والغبراء بين عبس وذبيان التي نشبت من الخلاف على فوز ناقة في سباق. إن ما يحدث اليوم من صراع بين الأشقاء في اللغة والدين والمصير، يستحق تدخلاً عاجلاً من القمة العربية قبل أن تستفحل أخطاره ويمتد شرره إلى دول أخرى، وقبل أن يصبح ما نفعله نوع من الهمجية والتخلف في عيون غير العرب وغير المسلمين الذين سيوظفون هذه الأحداث غالباً في التشهير بديننا الإسلامي الحنيف وفي الانتقاص من حقوقنا المشروعة والعادلة.

على أن ما كان يخفف الوطأ على النفس على مدى الأسبوع الماضي هو ذاك الحراك المدهش في الساحة القطرية من أجل شد الإنسان العربي وشعوب المنطقة نحو التقدم والإزدهار. وفي حين كانت قطر تحتضن أول مؤتمر من نوعه لمكافحة الفساد، فإنها أيضاً قد رعت فعاليات تكريم المبدعين. وقد يبدو للقارئ أن هذين الأمرين هما مجرد حدثين عابرين في جملة التحركات الكثيرة التي درجت قطر على استضافتها على مدى الأعوام الأخيرة. ولكن الحقيقة تتعدى ذلك بكثير، ويجب أن ننتبه إلى أن الانتقال من دول نامية إلى دول ناشئة أو متقدمة يتطلب تغييرات عميقة في سلوك وطريقة تفكير المجتمع، امتثالاً لقوله تعالى :إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم فالتغيير لا يكون في العبادات فقط وإنما في المعاملات أيضاً؛ ومكافحة الفساد واجتثاثه من جذوره هو بداية مهمة لتغيير ما بالنفس، والاهتمام بالمفكرين والمبدعين وتشجيعهم هو نقلة حضارية مهمة لبناء إنسان جديد لا يقف كثيراً عند توافه الأمور، بل يتعداها إلى ما هو أهم وأجدى وأنفع.

ولقد جاء قانون الضريبة الجديد ليعكس حالة متقدمة من التفكير لدى القيادة القطرية بشأن مستقبل هذا البلد، واقتصاده الناشئ. فمن أجل استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية بما تحمله معها من تقنيات حديثة ومخترعات، يأتي القانون الجديد ليخفض الضريبة على أرباح الشركات الأجنبية إلى 10%، بدلاً من 35%. وهذا التوجه الجديد هو ما نجحت دول أخرى قبلنا في فعله من أجل بناء صناعات وخدمات راقية تجلب معها الخير والرفاه بأكثر مما تحققه الضريبة من عوائد مالية قد تتحقق وقد لا تتحقق إذا ما خسرت الشركات في أعمالها. إن التحركات الجديدة هي بالتأكيد من سمات عصر العولمة الذي تتحرك فيها رؤوس الأموال والمنتجات بحرية، وسنرى بعد سنوات قليلة كيف أن هذا القانون االهام قد ساهم في نقل الاقتصاد القطري نقلة نوعية، وأعطى لنموه زخماً جديداً في مرحلة ما بعد استكمال مشروعات الغاز.

والأمور الثلاثة التي حدثت في قطر في الأسبوع الماضي تدخل ضمن مؤشرات التنافسية الدولية التي ترتب دول العالم من حيث سلامة أوضاعها المالية والاقتصادية، ومن حيث جاهزية بُنيتها التحتية وقدرتها على جذب الاستثمارات الأجنبية، ومن ثم مدى نجاح المشروعات التي تقام فيها، ومدى قدرة منتجات تلك المشروعات على المنافسة في الأسواق العالمية. وقد حققت دولة قطر في السنوات الأخيرة تقدماً ملحوظاً على مقياس التنافسية بمؤشراته المختلفة، وسأعود إلى الحديث عن هذا الموضوع في مقال آخر إن شاء الله.

وتظل بعد ذلك نقطة أخيرة أشير إليها في عُجالة وهي تحقق ما ذهبت إليه في الأسبوعين الماضيين من دخول البورصة القطرية في حالة استقرار تمهيداً للارتفاع فيما تبقى من السنة. ورغم أن البورضة تعرضت إلى هزة في بداية الأسبوع، إلا أن ذلك كان محاولة أخيرة من المضاربين لاستدراج الأسعار إلى أدنى مستوى ممكن قبل عودتها للارتفاع ثانية، وهو ما حدث بقوة مع نهاية الأسبوع بوصول المؤشر قريباً من 7200 نقطة. وأتوقع أن تواصل الأسعار ارتفاعها في أسبوع ما قبل العيد وفي الأسابيع التي تليه، رغم ما أقوله دائماً من أن رأيي صواب يحتمل الخطأ،وكل عام وأنتم بخير