القمة الخليجية ومرحلة جديدة على طريق الاتحاد النقدي

متابعات اقتصادية

القمة الخليجية ومرحلة جديدة على طريق الاتحاد النقدي

بقلم : بشير يوسف الكحلوت

تنعقد في الكويت بعد غدٍ قمة جديدة لزعماء دول مجلس التعاون، لاستكمال البحث في أمور التعاون المشتركة وفي مقدمتها الإعلان عن قيام الاتحاد النقدي بين أربع دول منها هي السعودية والكويت وقطر والبحرين. فما أهمية الإعلان عن قيام الاتحاد وما هي فوائده المنتظرة للدول المشاركة فيه؟؟

يجب التنويه بداية إلى أن الإعلان عن قيام الاتحاد النقدي هو تتويج لمسيرة تنسيق وتعاون استمرت لنحو ثلاثة عقود منذ أن تم الإعلان عن قيام مجلس التعاون الخليجي في عام 1981. والمعروف عند أهل الاقتصاد أن هناك عدد من المراحل التي يجب تحقيقيها قبل الوصول إلى الاتحاد النقدي. وقد سارعت دول المجلس إلى إقرار منطقة التجارة الحرة منذ بداية الثمانينيات، ثم عملت على مدى سنوات طويلة لإقرار الاتحاد الجمركي وتحقق لها ذلك في يناير عام 2003، وتم منذ يناير 2008 قيام السوق الخليجية المشتركة.

ولقد كان مقرراَ أن يتم إصدار العملة في الأول من يناير عام 2010، إلا أن سير المباحثات في السنوات الخمس الأخيرة كان يشير بوضوح إلى أن هذا الهدف لن يتحقق في الموعد المحدد، وصدرت تصريحات كثيرة من المسؤولين في البنوك المركزية الخليجية عبرت عن اعتقاد أصحابها بأن هذا الموعد غير مقدس وأنه لا ضير من تأخير التنفيذ لعدة سنوات أخرى. وساهم انسحاب عُمان من المشروع قبل عامين-لدواعي مصالح السلطنة الخاصة-ثم انسحاب الإمارات في منتصف العام الجاري على خلفية إقرار الرياض مقراً للاتحاد النقدي وسلطته النقدية، في إثارة المخاوف من فشل المشروع وتوقف مسيرته نهائياً. إلا أن إصرار بقية الدول على تنفيذ المشروع وإقرارها لاتفاقية الاتحاد النقدي والمجلس النقدي، قد أعاد الأمل بأن يرى الاتحاد النقدي النور في عام 2010، بتعيين محافظ لمجلسه النقدي ومن ثم تعيين الكوادر اللازمة لعمل المجلس، بما يساعد على الإسراع في إصدار العملة.

ويتطلب إصدار العملة اتخاذ قرارات مهمة في المرحلة القادمة من قبيل إسم العملة وشكلها ووزنها-أي خفيفة كالريال أم ثقيلة كالدينار- وسعر صرفها أمام عملة رئيسية واحدة كالدولار أو سلة عملات بما فيها الدولار. وفي مرحلة لاحقة يتم استخدام العملة المتفق عليها كعملة حسابية فقط في الدول الأعضاء بمعنى أن يتم الإعلان عن أسعار السلع والخدمات بالعملة المحلية والعملة الموحدة كي يتعود الناس عليها، ويستغرق ذلك سنة كاملة على الأقل. وأثناء ذلك يقوم المجلس النقدي بعمل الترتيبات لطباعة العملة بفئاتها المختلفة، ثم يتم توزيعها على البنوك المركزية للدول الأعضاء كل حسب معروضه النقدي. هذه الخطوات قد تستغرق ما بين عامين إلى ثلاثة وربما يطول الأمر عن ذلك لو حصلت خلافات على تعيين المحافظ، أو على السياسة النقدية للاتحاد وخاصة ما يتعلق بربط العملة الموحدة بعملة أو سلة عملات أخرى.

وتنبع أهمية الاتحاد النقدي والاتحاد الاقتصادي بوجه عام من كونه يربط الدول المتحدة برباط المصالح المتين، فيزيل أسباب التنافس والتناحر. الجدير بالذكر أن أوروبا المتحدة اقتصادياً قد نجحت في النصف الثاني من القرن العشرين في استبدال الحروب والصراعات الدامية بعلاقات تعاون وحسن جوار مفيدة للجميع. وقد ورثت دول مجلس التعاون في مرحلة الاستقلال الوطني عدد من مشاكل الحدود المزمنة التي وترت العلاقات بينها لفترة من الزمن. ومع قيام مجلس التعاون وشروعه في إقامة الاتحاد الاقتصادي بدرجاته المختلفة، بدأت العلاقات تتحسن بين هذه الدول . وأكاد أجزم اليوم بأن الاقتراح الذي قدمه حضرة صاحب السمو الأمير المفدى للقمة بشأن إنشاء بنك تنمية خليجي مشترك، هو ضمانة جديدة لدفع مسيرة العمل الخليجي المشترك إلى الأمام، باعتبار أنه يخدم المصالح المتبادلة بين دول المجموعة ويعمق من تقاربها الاقتصادي، ومن ثم فإنه سيشجع الدول التي لم تنضم للاتحاد النقدي وخاصة عمان على الانضمام إلى الإتحاد النقدي.

ولا شك أن إصدار عملة موحدة به العديد من الفوائد للمواطنين والمقيمين ومن ذلك توفير المبالغ الطائلة التي كانت تُدفع كعمولات عند تحويل أو استبدال العملات الخليجية مع بعضها البعض، وسيشجع وجود عملة موحدة على إقامة المشروعات المشتركة بين أبناء المنطقة. وبعد سنوات من صدور العملة الموحدة سيكون لدى المجلس النقدي القدرة على إدارة سياسة نقدية جديدة للدول الأعضاء بعيداً عن الربط بعملة واحدة، وما يترتب على ذلك من تحاشي مشاكل الربط خاصة إذا ما تدهور سعر صرف تلك العملة كما حصل مع الدولار في السنوات الأخيرة.