هل يكون أول محافظ للمجلس النقدي الخليجي، قطرياً؟

أطرح في هذا المقال قضية مهمة تستحق التفكير فيها على عجل، قبل أن تدور عجلة المجلس النقدي الخليجي وتتسارع الأحداث، وهي قضية ترشيح إحدى الشخصيات القطرية المناسبة لمنصب محافظ المجلس النقدي الخليجي، باعتبار أن الظروف باتت ملائمة لذلك بعد إنتهاء ولاية الأمين العام القطري لمجلس التعاون. وقبل أن أخوض في التفاصيل أتوقف في عجالة عند ما جرى في اليوم الوطني من فعاليات فاضت بها مشاعري وسجلتها بقلمي فقلت:

كان يوم الجمعة الثامن عشر من ديسمبر 2009 يوماً وطنياً بامتياز، ليس في الدوحة فقط وإنما في كل مكان على امتداد الربوع القطرية ما بين ضفتيها الشرقية والغربية؛ فانسجمت عناصر الطبيعة مع مشاعر الحب والتكاتف والولاء، وكان أن أشرقت شمسها الدافئة في الصباح، لتنطلق فعاليات الاحتفال بالعيد، وسط فرحة غامرة في قلوب وعيون الجماهير المحتشدة في الساحات. ثم ذهب الناس إلى الصلاة كي يسجدوا لله شكراً وامتناناً على نعمه وعطائه الوفير، بأن جعل شبه الجزيرة القطرية واحة للأمان والاستقرار، وللتطور والإزدهار. وما أن قُضيت الصلاة، وانتشر الناس في الأرض، حتى امتلأت السماء بالسحاب، وسرت نسمات هواء عليلة، ثم ما لبثت الأمطار أن هطلت غزيرة، في إشارات نحسبها من الله عز وجل، إشارات خير وبركة على الراعي والرعية.

كان ذاك يوم العيد الوطني لدولة قطر العزيزة، الذي امتلأت فيه القلوب بالفرحة والسرور على حاضر مشرق جميل، وقبله بيومين كان زعماء دول المجلس في قمتهم الثلاثين بالكويت يرسمون للمستقبل صورة أجمل بدأت بتدشين مشروع الربط الكهربائي بين دول المجلس ليكون ذلك علامة فارقة على مرحلة جديدة من الحياة في المنطقة لن ينقطع فيها التيار الكهربائي على أحد. كما أعطى زعماء الدول الأربعة المعنية توجيهاتهم لمحافظي البنوك المركزية كي يباشروا مهامهم المتعلقة بإنشاء المجلس النقدي، وأوصوا وزراء المالية بالنظر في اقتراح صاحب السمو أمير دولة قطر بإنشاء بنك خليجي للتنمية. هذه الأخبار الطيبة تدفع باتجاه استكمال ما تبقى من خطوات لتحقيق الاتحاد النقدي وإصدار العملة الخليجية الموحدة، فما هي هذه الخطوات المنتظرة؟؟

إن أول خطوة منتظرة هي أن يقوم محافظو البنوك ومؤسسات النقد المركزية في قطر والكويت والبحرين والمملكة العربية السعودية بعقد أول اجتماع لمجلس إدارة المجلس النقدي في مدينة الرياض التي هي مقره الرسمي، ليبدأوا في تنفيذ المهام المطلوبة منهم وفي مقدمتها تعيين محافظ للمجلس النقدي.

والشروط التي تم وضعها مسبقاً لتحديد شخصية المحافظ؛ تقتضي أن يكون من أهل المنطقة ومن ذوي الاختصاص في العمل المصرفي بوجه عام والمركزي بوجه خاص. وتنطبق هذه الشروط على إحدى الشخصيات القطرية المرموقة في هذا المجال، وأقصد بذلك سعادة عبدالله بن خالد العطية أول محافظ لمصرف قطر المركزي في الفترة من 1992-2006، والمدير العام لبنك قطر الوطني قبل ذلك. وقد شارك الرجل خلال عمله بالمصرف في اجتماعات لجنة المحافظين وساهم بخبراته في إنجاز المراحل التمهيدية لإقامة الاتحاد النقدي. إضافة إلى ذلك يترأس سعادته منذ وقت طويل مجلس أمناء الأكاديمية العربية للعلوم المصرفية. وربما تكون ظروف انتهاء ولاية سعادة عبدالرحمن بن حمد العطية كأمين عام لمجلس التعاون وتعيين أمين عام من البحرين خلفاً له فرصة معززة لترشيح عبدالله بن خالد العطية في المنصب الجديد. واعتقد أن العلاقات الطيبة التي جمعت الرجل مع أقرانه محافظي البنوك المركزية ستسهل حصوله على المنصب إذا ما وافق سعادته على الترشيح، وإذا ما طلبت دولة قطر ذلك رسمياً.

وإذا ما تم تعيين محافظ للمجلس النقدي، فإن بقية التعيينات سوف تلحق تباعاً بما في ذلك تعيين مدراء الإدارات الرئيسية بالمجلس بما فيها الإدارة المصرفية والإصدار، وإدارة السياسة النقدية، إدارة الاستثمار، وإدارة الإحصاء، والإدارة القانونية، وإدارة نظم المعلومات وغيرها. كما سيتم تعيين مجموعة من الخبراء والمستشارين لإعطاء المجلس دفعة قوية للأمام في سنوات عمله الأولى.

وإذا ما اكتملت سلسلة التعيينات المطلوبة، فإن المهام التي كانت تتولاها اللجان الفنية المختلفة المشكلة من موظفي البنوك المركزية ومؤسسات النقد الخليجية، وكذلك الصلاحيات التي مارستها وحدة النقد بالأمانة العامة لمجلس التعاون، سوف تؤول حكماً إلى لجان داخلية تعمل داخل المجلس النقدي، بإشراف وإدارة محافظه الجديد، وموافقة واعتماد من إدارة المجلس النقدي.

والخلاصة أنه رغم عدم تحقق الحلم القديم بإصدار عملة خليجية موحدة بحلول عام 2010، فإن ما تم إنجازه من خطوات حتى الآن، يسمح ببقاء هذا الحلم حياً في النفوس، وقد يتسارع تنفيذه في الشهور القادمة إذا ما تم تعيين محافظ للمجلس النقدي الخليجي من وزن عبدالله بن خالد العطية، وذلك في كل الأحوال رأي شخصي، إكتبه انطلاقاً من قناعاتي، ومن خبرتي بمصرف قطر المركزي، ومن معرفتي بالرجل لمدة تزيد على عشر سنوات.