خواطر وتأملات.. ما بين عام مضى، وآخرُ آت

خواطر وتأملات.. ما بين عام مضى، وآخرُ آت

بقلم بشير يوسف الكحلوت

في الأسبوع الأخير من السنة نقف على أبواب عام جديد نرجو من الله أن يكون عام خير وبركة على الجميع، وعلى أمتنا العربية والإسلامية المثقلة بالهموم والقضايا الهامة والمصيرية. وقبل أن نودع العام المنصرم نقف لنتذكر كيف أقبلنا على سنة 2009 وسط مخاوف وأزمات كانت تعصف قبل عام باقتصاد العالم المتقدم، وتضغط بتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة على اقتصادات الدول النامية ومن بينها اقتصاد قطر ودول مجلس التعاون.. نذكر في تلك الأيام كيف إنهارت أسعار الأسهم في بورصة قطر، وكيف توقفت البنوك-أو كادت – عن التمويل والإقراض، وكيف تراجعت أسعار العقارات، بعد أن كانت وعلى مدى سنوات ترتفع ولا تنخفض. نذكر كيف توقف فجأة كرنفال التوظيف وبات التفنيش هو السمة الغالبة على أنشطة الشركات والمؤسسات. ونذكر كيف كانت أسعار النفط في حالة تراجع مستمر ومعها أسعار معظم المنتجات الصناعية المرتبطة بالنفط كالبتروكيماويات، والحديد والألمنيوم والأسمدة الكيماوية، ومع هذا التراجع المدوي انخفضت أرباح الشركات المساهمة، بل وتحول بعضها إلى تحقيق خسائر مالية. وكأن الهموم الاقتصادية والمالية لم تكن كافية لشغل بال الناس في عالمنا العربي، فجاءت حرب إسرائيل القذرة على قطاع غزة المحاصر لتزيد الطين بلة، ولتلقي بظلالها الكئيبة على المشهد العام، فأين نحن اليوم من ذلك كله وهل سيكون عام 2010 أفضل من سابقه؟؟

أبدأ بما انتهيت به وأشير إلى أن صمود أهلنا في غزة ووقفة الشرفاء من أمتنا معهم قد أفشل مخططات العدو، وخرج الشعب منتصراً رغم الدمار والخراب والعدد الكبير من الجرحى والشهداء الذين سقطوا في كل حارة وشارع. ولكن المتآمرون في الأرض أبوا إلا أن يكملوا المخططات الهمجية لإبادة الشعب وتركيعه بوسائل أخرى كان من بينها استمرار الحصار ومنع توريد مستلزمات إعادة التعمير. وقبل أن ينتهي عام 2009 جاءت أخبار تشديد الحصار بألواح فولاذية تُزرع في الأرض العربية المصرية لتمنع تهريب الغذاء والدواء إلى أهل غزة، بحجة حماية الأمن الوطني المصري!!!! فهل يكون ذلك بداية لمرحلة جديدة من الضغوط لتصفية القضية الفلسطينية؟ ندعوا الله أن يكون مع أهلنا المحاصرين وأن يأتى الفرج على يديه الكريمتين من حيث يدري الماكرون أو لا يدرون، فيرد كيدهم في نحورهم.

وأما من حيث الاقتصاد فإن الأمور قد تحسنت كثيراً منذ منتصف العام 2009، وأثمرت الجهود التي بذلتها الحكومة القطرية ومؤسساتها المختلفة عن نتائج طيبة نلمسها جميعاً على كل الأصعدة. فالمؤسسات المالية خرجت من الأزمة سليمة ومعافاة بفضل الدعم الحكومي اللامحدود، ودارت عجلة النشاط المصرفي بشكل معقول منذ بداية الربع الثاني من العام. وعادت أسعار النفط إلى الارتفاع وحافظت منذ منتصف العام على مستوى يتراوح ما بين 70-80 دولار للبرميل، وساعد ذلك على تجاوز الأزمة في كل دول المجلس بحيث لن تكون هناك عجوزات مالية في موازناتها العامة بل فوائض مالية ولو محدودة في بعض الدول. كما سجل الاقتصاد القطري في مجمله نمواً حقيقياً مع توقع استمرار هذا النمو وبوتيرة أعلى في عام 2010. ومع ارتفاع أسعار النفط والمنتجات تلاشى الخوف على نتائج الشركات المساهمة وخاصة الصناعية منها وشركات البنوك والتأمين والاستثمار، ومن ثم فإنه بعد نتائج أضعف بنسبة 16.5% لكل الشركات حتى نهاية سبتمب 2009، فإن الصورة ستكون أفضل مع نهاية العام 2009، وربما اقترب إجمالي الأرباح المتحققة لكل الشركات من نتائج عام 2008.

وبعد سنة من التذبذب الشديد في أسعار أسهم الشركات ما بين مد وجزر، فإن المؤشر العام للبورصة قد عاد مع نهاية العام قريباً من مستواه الذي كان عليه في مثل هذه الفترة من العام الماضي أي حول 7000 نقطة، بزيادة طفيفة حتى اللحظة نسبتها 2%. وبالمقارنة فإن الوضع في بورصات المنطقة-ما عدا الكويت- كان أفضل حيث سجل مؤشر الأسهم السعودية زيادة بنسبة 25.8%، وفي مسقط 10%، وحتى في دبي وأبوظبي كانت الزيادة بنسبة 10% و 12.5% على التوالي. فهل هذا منطقي أو معقول؟ أم أن الأيام القادمة تخبئ ارتفاعاً جديداً في مؤشر وأسعار الأسهم القطرية؟

وأما عن أسعار العقارات، فإن انخفاضها كان عاملاً تصحيحياً بدا في حينه ضرورياً وملحاً من أجل خفض معدلات الإيجارات التي وصلت ذروتها وأثرت سلباً على الوضع الاقتصادي في البلاد، ومن أجل خفض معدل التضخم. وقد تحقق هذا الأمر وهبط المعدل من نحو 16.6% في منتصف عام 2008 إلى أقل من الصفر في صيف عام 2009. وكان ذلك هو أحد النتائج الإيجابية للأزمة وتداعياتها. وقد ساهم توفر مواد البناء بأسعار رخيصة نسبياً، وكذا تراجع أسعار الأراضي بعد توقف عمليات المضاربة عليها إلى تصحيح تكلفة المباني والمنشآت. كما ساعد توازن العرض والطلب على الوحدات السكانية نتيجة انخفاض الطلب عند المستويات العالية، وتزايد المعروض من مشروعات بروة وغيرها من الشركات، إلى تراجع في مستويات الإيجارات. وسيعمل هذا العنصر في الشهور القادمة على الإبقاء على معدل التضخم منخفضاً في عام 2010.

وكان انفجار الأزمة في دبي آخر الأحزان للإمارات والمنطقة في عام 2009، ولأن دبي عضو في الإمارات العربية المتحدة التي تملك احتياطيات مالية ضخمة، لذا فإن من المستبعد تحول أزمة ديون الإمارة إلى مشاكل مالية للقطاع المصرفي في الإمارة وفي بقية دول الجعلس، وأحسب أن الأمور ستسير على نحو جيد عند إعادة جدولة ما تبقى من الديون.

وبعد، فقد كانت هذه مجرد خواطر وتأملات على ما حدث في عام 2009، مع بعض التوقعات لعام 2010 الذي أرجو مخلصاً أن يكون عاماً خالياً من الأزمات والنكبات، وأن يملأ قلوبكم جميعاً بأسعد اللحظات، وكل عام وأنتم بخير