كنت قد بدأت حديثاً في مقال الأحد الماضي عن أسباب ضعف مستويات السيولة في الجهاز المصرفي، وكيف أن ذلك الضعف انعكس سلباً على حجم التداول في البورصة ومن ثم على مستويات الأسعار فيها. وقد بدا تقلص حجم التداول مستغرباً في وقت كان يُفترض فيه أن يحدث العكس، استناداً إلى المعطيات الاقتصادية القوية من ناحية، واقتراب موسم توزيع الأرباح من جهة أخرى. وقد تصادف أن شهدت البورصة في نفس اليوم تراجعاً حاداً وصل بالمؤشر إلى ما دون 6700 نقطة، وانخفضت أسعار أسهم معظم الشركات دون المستويات التي تحركت عندها في الأسابيع السابقة، فهل كان ذلك التراجع نتيجة منطقية لضعف حجم السيولة، أم عدم ثقة في النتائج المتوقعة للشركات وبالتالي في إمكانية ارتفاع الأسعار، أم للإثنين معاً؟
الحقيقة أن ضعف السيولة المتاحة للتداول في بورصة قطر لا يزال هو العامل الأهم في الموضوع بدليل أن حجم التداول ليوم الثلاثاء كان لا يزيد عن 268 مليون ريال. وقد أشرت في مقال الأحد إلى بعض أسباب هذا الضعف؛ وخاصة محدودية نمو ودائع القطاع الخاص، وتراجع ودائع القطاع العام مع زيادة الائتمان المخصص له بما شكل مزاحمة للقطاع الخاص في الحصول على الائتمان، فضلاً عن تباطؤ نمو القروض الاستهلاكيه، وميل القطاع الخاص إلى تفضيل الودائع لأجل بدلاً من الحسابات الجارية لدى البنوك. على أنني أضيف إلى ذلك سبب هام وهو الاكتتاب في أسهم شركة مزايا بمبلغ 500 مليون ريال. ورغم أن الاكتتابات بوجه عام لم تعد مغرية كما في السابق خاصة بعدما أصاب الكثيرون خسائر مالية من الاكتتاب في أسهم فودافون، إلا أن حجم المبالغ التي يتم الاكتتاب بها في أسهم هذه الشركة يؤثر سلباً على حجم التداول الذي يشكو أساساً من حالة الضعف. ومن هنا لم يكن غريباً أن تنخفض الأسعار بأكثر من 160 نقطة في اليوم الأول لبدء الاكتتاب في أسهم شركة مزايا.
على أنه في الوقت الذي وصلت فيه الأسعار إلى ذلك المستوى المتدني، فإن المستثمرين قد أمسكوا عن البيع عند الأسعار المنخفضة لإقتناعهم بأنه لا يوجد مبرر للبيع في هذه الفترة، وأنه إذا لم يوجد حجم الطلب الكافي لرفع الأسعار في السوق في هذا الوقت فإن تقليص المعروض من الأسهم هو الحل الأمثل في هذه الفترة لمقاومة الضغوط التي يولدها ضعف الطلب. وقد تسلح المستثمرون في ذلك بمقولة أن الأرباح التي بدأ الإعلان عنها ليست سيئة، وأنها تشكل عائداً جيداً على الاستثمار في فترة الشهرين القادمين، مما سيُغري المضاربين للشراء إذا أيقنوا من عدم حدوث المزيد من التراجع في الأسبوعين القادمين. هذا الاستنتاج ساعد ولا شك على حدوث عودة سريعة للقناصين لشراء الأسهم التي انخفضت أسعارها، فاخضرت شاشة التداول يومي الإثنين والثلاثاء، وعاد المؤشر ليتجاوز مستوى 6800 قبل أن ينخفض دونها قليلاً مع نهاية الأسبوع.
وكان لبعض توزيعات الأرباح أثرها في توقف التراجع، فرغم أن أرباح البنك التجاري الإجمالية لعام 2009 قد انخفضت بنحو 150 مليون ريال عن أرباح العام السابق إلا أن مستويات الأرباح المقترح توزيعها ظلت قوية نسبياً حيث تقرر توزيع 6 ريالات للسهم الواحد، مقارنة بسبعة ريالات في العام الماضي. ويشكل هذا المستوى عائداً بواقع 10% للراغب في شراء السهم عند سعر 60 ريالاً. وإذا ما علمنا أن التوزيع سيتم في غضون شهرين أو ثلاثة فقط، فإن المعدل الفعلي يرتفع إلى 30% وهو عائد ممتاز ويستحق المخاطرة بشراء السهم حتى لو انخفض السعر لاحقاً إلى أقل من 60 ريالاً.
على صعيد آخر كانت توزيعات الوطني غير مقنعة إذا ما قورنت بأرباح تجاوزت الأربعة مليارات، وبسعر للسهم يصل إلى 150 ريال. فالأسهم المجانية الثلاثة التي سيتم توزيعها سيتم معادلتها في السوق بخفض للسعر إلى مستوى112 ريال، في اليوم التالي لانعقاد الجمعية العمومية للبنك- بافتراض بقاء سعر السهم في السوق عند مستوى 150 ريالاً. وأما الريالات الأربعة التي سيتم توزيعها فهي تعادل عائداً بنسبة 2.7% أو ما يقل عن 8%، وهو عائد معقول إذا ما ثبتت الأسعار، ولكنه يصبح مغرياً لو ضغطت معطيات السوق فرفعت سعر السهم إلى 150 ريالاً بعد توزيع الأرباح، وذلك أمر ممكن بفضل تمتع الوطني بميزات كثيرة.
وفي حالة مصرف قطر الإسلامي، فإن انخفاض أرباحه إلى 1.3 مليار ريال كما كان متوقعاً مقارنة بـ 1.6 مليار ريال في عام 2008، جعل من الصعب على البنك توزيع أرباح قوية وبنسبة 70% كما في العام الماضي، أي 7 ريالات للسهم، وقد كان من المتصور أن تساعد تخفيضات التوزيعات لدى الوطني على تمكين المصرف من خفض توزيعاته إلى 40% فقط هذا العام، إلا أنه لم يفعل وقرر توزيع ستة ريالات للسهم وهو ما قد ساعد على تحسن السعر في السوق.
ولأن أرباح قطر للتأمين المتوقعة قد تزيد عن 500 مليون ريال، لذا فإن تاريخ توزيعاتها السابقة يضغط باتجاه توزيع قوي قد يكون هو الأعلى إذا ما قورن بسعر السهم المنخفض نسبياً، ولذلك شاهدنا السعر يعود إلى الارتفاع بقوة يوم الثلاثاء.
والخلاصة أن التوزيعات المحتملة قد تعمل على تحسين الأداء في السوق لبعض الشركات ذات الأداء الجيد، ومن ثم قد يساعد ذلك على عودة الأسعار إلى الارتفاع وخاصة إذا ما صمد المؤشر اليوم الأربعاء فوق مستوى 6800 نقطة. ويظل ذلك رأي شخصي قد يحتمل الصواب والخطأ.