لماذا تراجع حجم التداول في بورصة قطر
جمعتني وأحد الأصدقاء جلسة نقاش عن وضع السيولة في قطر على خلفية مقال الأسبوع الماضي الذي تناولت فيه توقعات النمو الاقتصادي في قطر لعام 2010. وكنت في المقال المشار إليه قد أكدت على أن المعطيات المتوافرة عن مشروعات الغاز المسال، والسيناريوهات المحتملة لأسعار النفط والغاز والمنتجات المختلفة، ترجح نمو الناتج المحلي الإجمالي في عام 2010 بمعدل يصل إلى 24% بكل من الأسعار الجارية والحقيقية، وأن هذه التوقعات المتفائلة جداً ستنعكس على أداء كثير من الشركات المساهمة فتحقق نتائج أفضل في العام الجديد. وتلخصت وجهة نظر الصديق في أن الأرقام البراقة عن النمو في عام 2009، وتلك المتوقعة لعام 2010 لا تجد لها سنداً على أرض الواقع، حيث هناك جفاف في السيولة في الجهاز المصرفي، مما أحدث حالة من الركود في بورصة قطر تجسدت في حجم تداول ضعيف لا يزيد عن عدة مئات من ملايين الريالات يومياً، مع تراجع في الأسعار وفي مؤشر السوق رغم أننا على أبواب موسم توزيع الأرباح. وأضاف أن ما نسمعه عن صندوق قطر السيادي الذي يستثمر أكثر من مائة مليار دولار يتناقض مع ما تشير إليه التقارير الواردة في جوجل من أن ديون قطر قد بلغت 65 مليار دولار.
قلت له، أما هذه الأخيرة فقد تكون صحيحة استناداً إلى أن كافة ما ينفذ في قطر من مشروعات ضخمة يتم تمويله عادة بقروض تسددها عوائد المشروعات وبضمانها، وذلك أمر طبيعي ومتعارف عليه عالمياً. وأما تراكم الأموال في الصندوق السيادي وارتفاعها إلى أكثر من مائة مليار دولار، فذاك نتيجة طبيعية لسنوات طويلة من فائض الموازنة العامة للدولة-وكلها أرقام منشورة- فضلاً عن العائدات المتحققة من استثمارات الصندوق. ولو لم يكن هناك صندوق سيادي لما تمكنت قطر من شراء حصص استثمارية مهمة في أوروبا وأمريكا والعالم العربي.
وأما عن أرقام السيولة فهي متاحة في نشرات مصرف قطر المركزي الشهرية على موقعه على الإنترنت، وكلها توضح أنه بعد فترة من التراجع نتيجة تداعيات الأزمة المالية العالمية حتى الربع الأول من العام 2009، فإن مكونات السيولة قد عادت إلى التحسن ثانية وإن بشكل أبطأ مما تحقق في الأعوام الماضية، وذلك على النحو التالي:
1- أن عرض النقد الواسع المعروف بـ م2 قد ارتفع بنسبة 13.4% في الشهور التسعة الأولى من العام 2009 إلى 208.7 مليار ريال، مع التسليم بأن ذلك يقل عن نصف معدل النمو المناظر في الشهور التسعة الأولى من العام 2008 عندما بلغ 27.3%. أي أن هناك نمو ولكنه أقل من فترات سابقة.
2- أن ودائع القطاع الخاص لدى البنوك التجارية قد ارتفعت بنسبة 23.2% في الفترة المشار إليها لتصل إلى 150.5 مليار ريال، ثم ارتفعت حتى نهاية نوفمبر إلى 157.8 مليار ريال، مع التنويه ثانية بأن نمو ودائع القطاع الخاص كان أبطأ مما عرفناه في عام 2008. ومع ذلك حدث ميل لدى القطاع الخاص لتفضيل حسابات الودائع لأجل والتوفير، والتقليل من الودائع تحت الطلب بحيث باتت تشكل ما نسبته 63% من إجمالي ودائع القطاع الخاص في شهر سبتمبر 2009 مقارنة بـ 58.2% مع نهاية ديسمبر 2008. وذلك يفسر جزئياً تقلص حجم التداول في البورصة التي تعتمد على الحسابات الجارية.
3- أن حجم الإئتمان المحلي قد ارتفع من مستوى 220.8 مليار ريال في ديسمبر 2008 إلى 232.3 مليار مع نهاية سبتمبر ثم إلى 245.3 مليار ريال مع نهاية نوفمبر 2009، أي بزيادة نسبتها 5.2% في 9 شهور وبنسبة 11.1% في أحد عشر شهراً. ومرة ثالثة نقول كان هناك نمواً في الائتمان المحلي في عام 2009، ولكنه بمعدل أبطأ بكثير منه في عام 2008 عندما جرى بنسبة 37.4% في الشهور التسعة الأولى من ذلك العام. كما أن الائتمان المقدم للقطاع العام قد عاد إلى الزيادة بعد أن هبط حتى مارس 2009 إلى مستوى 37 مليار ريال، ليصل حتى نهاية نوفمبر إلى مستوى 68.8 مليار ريال. وذلك يُظهر نوع من مزاحمة القطاع العام للقطاع الخاص في حجم الائتمان المتاح داخل قطر، يتزامن مع تراجع ودائع القطاع العام في نفس الفترة من 75.8 مليار ريال في ديسمبر عام 2008 إلى 60.4 مليار ريال في نوفمبر 2009.
4- أن القروض الاستهلاكية التي حصل عليه الأفراد قد نمت هي الأخرى بمعدل 11.1% في أحد عشر شهراً حتى نوفمبر 2009 إلى مستوى 63.2 مليار ريال، مقارنة بمعدل نمو بنسبة 20.5% في عام 2008 و 34% في عام 2007. هذا التباطؤ في نمو القروض الاستهلاكية -التي كان جزء منها يوجه للاستثمار في البورصة- قد أضعف من حجم التداول وأثر سلباً على مستويات الأسعار فيها.
والخلاصة:
• أن الاقتصاد القطري قد استطاع تجاوز مرحلة تداعيات الأزمة المالية العالمية، وأن مكونات السيولة في الجهاز المصرفي قد عادت إلى النمو وإن بمعدلات أبطأ مما حدث في الأعوام السابقة وذلك أمر طبيعي.
• أن هناك تغيرات هيكلية قد طرأت على مكونات السيولة بما يُظهر اتجاه الأفراد والمؤسسات إلى تفضيل الودائع لأجل والتوفير لدى البنوك بدلاً من الودائع تحت الطلب والحسابات الجارية،
• أن القروض الاستهلاكية للأفراد قد نمت بمعدلات أبطأ من السابق.
• أن ودائع القطاع العام كانت في تراجع، في الوقت الذي تزايدت فيه قروض هذا القطاع.
وهناك أسباب أخرى لتفسير ما يبدو من تراجع في حجم تداولات البورصة وهو التراجع في أسعار العقارات حيث أشارت إحصاءات جهاز الإحصاء إلى أن معدل التضخم في قطر كان لا يزال سلبياً في شهر نوفمبر 2009، بحيث سجل انخفاضاً بنسبة 5.2% عن نهاية ديسمبر 2008، وذلك بسبب التراجع في معدلات الإيجارات التي انخفض مكونها في الرقم القياسي للأسعار بنسبة 8.6% في ذات الفترة المشار إليها. كما أن حجم تداولات الأجانب في البورصة قد تراجعت رغم أنها كانت إيجابية في الأسابيع الثلاثة الأخيرة بما مجموعه 155 مليون ريال، ولكن ذلك يقل عن نصف حجم مشترياتهم في أسبوع واحد في فترات انتعاش السوق.
وبعد فأرجو أن أكون قد أضفت إلى القراء الأعزاء بعض المعلومات المفيدة التي تشرح أسباب تراجع حجم التداول في البورصة في فترة كان يُفترض أن يحدث فيها العكس استناداً إلى المعطيات الاقتصادية القوية من ناحية، واقتراب موسم توزيع الأرباح من جهة أخرى. ولعل الموضوع بحاجة إلى مزيد من الشرح لجهة مستويات الأرباح المتوقع توزيعها وتأثيرها على أسعار أسهم الشركات، وآمل أن يتم ذلك في مقال آخر يوم الأربعاء، فإلى اللقاء.