رؤية كُلية للاقتصاد القطري في عام 2010

متابعات اقتصادية

ربقلم : بشير يوسف الكحلوت

توقعت بعض الدراسات أن ينمو الاقتصاد القطري في عام 2010 بمعدل 24% عن عام 2009، مقارنة بما يتراوح ما بين 3-4% في باقي دول مجلس التعاون، وقد بُنيت هذه التوقعات في الغالب على النمو الحقيقي الذي يستند إلى زيادة في الكميات المنتجة مع ثبات الأسعار، وزيادة ناتج قطر من الغاز المسال وسوائل الغاز بوجه خاص. ومع ذلك فإن النمو بالأسعار الجارية لن يقل أيضاً عن 24%، فما دقة هذه التوقعات وما مغزاها وما تأثيراتها على المعطيات الاقتصادية القطرية؟

بداية أشير إلى أن أسعار النفط مرشحة إلى الاستقرار ضمن هامش 65-85 دولار للبرميل وذلك استناداً إلى أن النمو الاقتصادي في عام 2010 سيكون ضعيفاً بتأثير معدلات البطالة المرتفعة في الدول الصناعية، وبالتالي تراجع الطلب على النفط بعد إنتهاء موسم الشتاء الحالي. وهناك عوامل أخرى ستضغط على أسعار النفط وهي الزيادة في إنتاج سوائل الغاز والغاز المسال عالمياً باعتبارها بدائل للنفط ومنتجاته. وهذه المستويات المشار إليها من أسعار النفط تسمح بنمو ناتج القطاع النفطي القطري بما نسبته 30% بالأسعار الجارية، باعتبار أن متوسط سعر النفط لعام 2009 كان في حدود 61 دولاراً للبرميل. وإذا أضفنا إلى ذلك الزيادة المتوقعة في أسعار سوائل الغاز، وكذا الكميات المنتجة من الغاز المسال، فإن الناتج المحلي الإجمالي القطري سينمو بالنسبة المشار إليها أعلاه. ومعنى ذلك أن قطاع النفط والغاز سوف يتسبب في إحداث النمو الكبير في الاقتصاد القطري، حتى لو تخلفت القطاعات غير النفطية عن مواكبة هذا النمو الكبير في ناتج قطاع النفط والغاز.

ولكن نتيجة للتوقعات المشار إليها، فإن الموازنة العامة للدولة للعام 2010/ 2011 ستشهد توسعاً في الإنفاق العام لسببين أولهما أن اعتماد سعر 55 دولاراً للبرميل للسنة الجديدة يشكل زيادة بنسبة 37.5% عن سعر الموازنة للعام السابق والبالغ 40 دولاراً فقط، وذلك يفتح المجال للاعتقاد بأن أجواء التحضيرات للموازنة العامة هي أجواء إيجابية وتفاؤلية، وتعزز الرأي القائل بأنها ستشهد زيادة ملحوظة في الإنفاق بما يساعد على تنفيذ المشروعات الضخمة التي أُعلن عنها، إضافة إلى استيعاب الزيادات التي تطرأ على الرواتب والأجور والزيادة في أعداد العاملين بالقطاع الحكومي. ولأن الإنفاق الحكومي لا يزال هو المحرك الأساسي لأنشطة القطاع الخاص لذا فإن الزيادة في مخصصات المشروعات العامة في العام المالي الجديد سوف تؤدي إلى تسريع أنشطة القطاع الخاص وزيادة نواتجه. كما أن الزيادة في أعداد العاملين ورواتبهم سوف تؤدي إلى حدوث زيادة في الإنفاق الخاص. وبالمحصلة فإن عجلة القطاعات غير النفطية سوف تستفيد من زيادة الإنفاق الكلي بشقيه الخاص والعام، بما يساعد على تحقيق معدلات نمو عالية جداً للاقتصاد القطري في عام 2010 قد تكون هي الأعلى في العالم.

وكما هو معروف فإن القطاع الخاص يتكون من قطاعات فرعية عديدة في مقدمتها قطاع البنوك الذي كان في مقدمة المتأثرين بتداعيات الأزمة المالية العالمية، ولولا الدعم الحكومي في عام 2009 لحقق القطاع خسائر مالية كبيرة وخاصة بسبب تعطل النشاط الأساسي للبنوك، أي نشاط التمويل والإقراض إضافة إلى الخسائر المباشرة في الاستثمارات والقروض العقارية. ولأن القطاع خرج من الأزمة سليماً معافى فإن أداؤه في عام 2010 سيكون أفضل بكثير. وينطبق نفس الكلام على شركات التأمين التي ستستعيد عافيتها في العام الجديد نتيجة تحسن النشاط الاقتصادي في البلاد ككل.

وسيستفيد قطاع الصناعة من ارتفاع أسعار منتجاته عالمياً، إضافة إلى زيادة الطلب المحلي والعالمي على تلك المنتجات ومن ثم ستعود شركات صناعات والإسمنت والتحويلية وغيرها إلى تحقيق أرباح أكبر مما حققته في العام السابق. ولن تكون شركات قطاع الخدمات بمعزل عما يجري في الاقتصاد القطري من نمو كبير بل ستستفيد منه وخاصة شركات كيوتيل والكهرباء والملاحة والنقل البحري وناقلات وبروة والسلام.

وكنتيجة لهذة الرؤية لما سيحدث من توقعات مالية في عام 2010 فإنني أتوقع أن يعود النشاط القوى لبورصة الأسهم القطرية وأن تسجل أسعار أسهم كثير من الشركات ارتفاعات مهمة في عام 2010، وأن يؤدي أي انخفاض في الأسعار والمؤشر بعد توزيع الأرباح في الربع الثاني إلى نشوء طلب قوي من جانب المحافظ الأجنبية. ومما سيعزز هذه التوقعات أن الانتعاش الاقتصادي الهش في الخارج سوف يدفع تلك المحافظ إلى البحث عن الفرص المتاحة للاستثمار بعيداً عن المخاطر المحتملة. وبالمحصلة فإنني أنصح المستثمرين الذين هجروا السوق خلال عام 2009 نتيجة الخسائر التي أصابتهم أن يعيدوا النظر في الموضوع وأن يفكروا ملياً في اقتناص الفرص التي ستسنح في بورصة قطر في عام 2010.

وبعد فقد كانت هذه بعض توقعاتي لعام 2010، وهي صواب قد يحتمل الخطأ إذا حدث ما لم يكن في الحسبان. وقد بنيت توقعاتي على تحليل للواقع الحالي وتطور الأحداث والمعطيات المعروفة للاقتصاد القطري. وقد يكون لنا عودة لمزيد من التفصيلات حول هذا الموضوع في مقالات أخرى…