تأملات في موضوع الزيادة السكانية على ضوء النتائج الأولية للتعداد

أظهرت نتائج التعداد الأخير للسكان في قطر أن إجمالي عدد السكان في البلاد قد بلغ نحو 1.7 مليون نسمة مقارنة بـ 744 ألف نسمة في تعداد عام 2004، ونحو 522 ألف نسمة في تعداد عام 1997، و 369 ألف نسمة في تعداد 1986، و110 ألف نسمة حسب تقديرات الأمم المتحدة لسكان قطر في عام 1970. وهذه المقارنة السريعة تُظهر بوضوح أن عدد السكان قد تضاعف نحو 15 مرة في 40 سنة وبمعدل نمو 7% سنوياً. وقد تباين معدل النمو من فترة إلى أخرى بحسب معدلات نمو الاقتصاد القطري فهو في السنوات الست الأخيرة التي سجلت أعلى معدلات النمو الاقتصادي وصل إلى 14.8% سنوياً، بينما انخفض المعدل في فترات سابقة، حيث بلغ 5.2% ما بين تعدادي 1997 و 2004، و 3.2% ما بين تعدادي 1986 و 1997.

وبالنظر إلى أن الفترة الفترة الأخيرة 2004-2010 قد شهدت حدثين مهمين الأول هو تنامي الطاقات الإنتاجية من الغاز المسال إلى أضعاف ما كانت عليه في بداية الفترة، وتنفيذ مشروعات صناعية واقتصادية وعمرانية ضخمة، مع ارتفاع أسعار النفط من قرابة 35 دولار للبرميل إلى أكثر من الضعف، لذا فإن طفرة النمو الاقتصادي ومن ثم السكاني التي تحققت بمعدل 14.8% منذ عام 2004 قد لا تتكرر في الفترات القادمة.

على أن مسار النمو الاقتصادي والعمراني والسكاني في الفترة القادمة حتى عام 2020 ومن بعدها حتى عام 2030 سوف يتأثر ولاشك بالحدث الرياضي الكبير الذي يترقبه الجميع وهو نجاح قطر في الحصول على موافقة الفيفا في استضافة مونديال 2022. فإذا كان النجاح حليف الملف القطري- والتوقعات ترجح ذلك بنسبة لا بأس بها-فإن معدل النمو السكاني سيظل مرتفعاً، حيث سينجم عنه تعهد قطر بإقامة منشآت رياضية ضخمة، وبُنية تحتية متطورة تتناسب مع الحدث، ومن ثم سيظل معدل النمو مرتفعاً بما لا يقل عن 10% سنوياً، في الفترة حتى عام 2022 رغم انتهاء فترة إقامة مشروعات الغاز المسال في عام 2012، وبافتراض بقاء أسعار النفط مستقرة أو دون مستوياتها الحالية. ومن المفترض أن يحدث نوع من التباطؤ في النمو بعد عام 2022 إلى مستوى5.5% سنويا. أما إذا حدث أن ذهب مونديال 2022 إلى بلد آخر-لا قدر الله-، فإن ذلك سينعكس سلباً على معدل النمو العمراني والسكاني، بحيث لا ينمو إجمالي عدد السكان بأكثر من 5.5% سنوياً، وذلك كرد فعل طبيعي لارتفاع معدل النمو في الفترة السابقة إلى 14.8% سنوياً.

وعلى ضوء هذه الفرضيات-التي هي يالتأكيد أولية وتحتاج إلى مزيد من المراجعة والتدقيق والتفصيل- فإن عدد السكان في قطر يمكن أن يرتفع في الفترات القادمة على النحو التالي:

أولاً: في ظل الفرض الأول الخاص بنجاح قطر في استضافة المونديال:

من المتوقع أن يرتفع عدد السكان إلى 3 مليون نسمة في عام 2016، ثم إلى 5.3 مليون نسمة في عام 2022، وإلى 8.1 مليون نسمة في عام 2030 الذي هو العام المستهدف لرؤية قطر المستقبلية.

ثانياً: في حال الفرض الثاني:

سيرتفع عدد السكان إلى 2.34 مليون نسمة في عام 2016، ثم إلى 3.23 مليون نسمة في عام 2022، وإلى4.88 مليون نسمة في عام 2030.

ويترتب على التوقعات المشار إليها تغيرات كثيرة، ذلك أن المرافق العامة والبنية التحتية من محطات تحلية وتوليد كهرباء إلى المدارس والجامعات والمساجد والمستشفيات والمراكز الصحية، والطرق والجسور والكباري ومحطات الصرف الصحي وغيرها، لن تكون كافية لخدمة الأعداد المتزايدة من السكان دون أن يطرأ عليه إضافات مهمة تتناسب معها، وهي بالتـاكيد ستكلف الدولة أموالاً طائلة، كما أنها ستتطلب توسعاً في الوظائف المطلوبة لتشغيل تلك المرافق، وذلك بدوره يجعل الزيادات السكانية تتم بمعدلات عالية لا تقل عن 5%.

على أن الجانب الآخر الذي لا يقل أهمية عما سلف هو في التغيرات الجوهرية التي ستطرأ على بُنية المجتمع وتركيبته السكانية من زوايا عديدة أشيرفي هذا المقال إلى البعض منها وأترك لغيري من المختصين تناول جوانب أخرى. ومن الجوانب التي أرصدها أن الزيادات المتسارعة في عدد سكان قطر يترتب عليها زيادة في نسبة الذكور عن الأناث. وقد تزايدت هذه النسبة في الأربعة عقود الماضية من مستواها الطبيعي المعتاد قبل عام 1970 عندما كانت نسبة الذكور تزيد عن النصف بقليل حتى وصلت إلى 76% في تعداد عام 2010، وكانت في التعداد السابق في عام 2004 في حدود 67%. ومن المؤكد أن نسبة الذكور إلى إجمالي عدد السكان سوف تزداد في الفترات المقبلة بحيث قد نراها تزيد عن 80%, هذه النسبة المرتفعة للذكور قد تدفع بالمجتمع إلى ضرورة إنشاء مدن مستقلة للعزاب وليس فقط تخصيص مناطق مستقلة لهم داخل المدن.

وعلى صعيد آخر نجد أن نسبة المواطنة إلى إجمالي عدد السكان قد تراجعت من مستواها المعتاد قبل عام 1970 حيث كانت تشكل الأغلبية، إلى أن أصبحت تمثل أقلية. ورغم عدم وجود بيانات منشورة عن هذه النسبة إلا أن الظواهر والشواهد تفصح عما يطرأ عليه من تراجع مستمر، وهي مرشحة لمزيد من التراجع في الفترات المشار إليها في هذا المقال.

على أن الزيادات السكانية والتغيرات التي تطرأ على التركيبة السكانية بين تعداد وآخر هي من الأمور التي أولتها وثيقة رؤية قطر لعام 2030 اهتماماً خاصاً وطالبت بالموازنة بين ما يترتب على استقطاب العمالة الوافدة من حقوق ثقافية ومن احتياجات الإسكان والخدمات العامة، ومن آثار سلبية محتملة على الهوية الوطنية من جهة، وبين المنافع الاقتصادية المرتجاة من زيادة نسبة العمالة الوافدة في إجمالي قوة العمل من جهة أخرى.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن عما إذا كانت مجريات الأحداث المتوقعة على النحو المبين في المقال، ستدفع بالتركيبة السكانية في المستقبل المنظور إلى غير ما قررته الرؤية، أم أن عملية الموازنة المقررة في الرؤية ستوفر الضوابط الكفيلة بإبقاء الأمور في الإطار المقبول؟