لكي يدخل أي منا إلى عالم المال والأعمال في أي بلد لا بد بداهة أن يتوافر لديه المال والخبرة.. وفي حين قد يتوافر المال لدى بعض الأشخاص من الأهل، فإن اكتساب الخبرة يتطلب بعض الوقت، ويحتاج بالضرورة إلى إطلاع وإلى ممارسة متدرجة أو الاستعانة بمن لديهم خبرات حقيقية. وبدون توفر عنصري المال والخبرة يكون الأمر محفوفا بالمخاطر. ودعونا بوجه عام نحدد الإطار الذي نقصده بالمال والأعمال.. فهو يتضمن الدخول في أي نشاط تجاري، صناعي، زراعي، خدمي، أو الاستثمار أو المضاربة في الأوراق المالية من أسهم، وسندات، أو المضاربة في البورصات العالمية في العملات أو السلع بما فيها الذهب والفضة وغيرها. وإذا لم يتوافر المال والخبرة فإن المتاح هو البحث عن وظيفة توفر المال وبعض الخبرة، وذلك بعد التخرج من الجامعة باعتبار أن الشهادة الجامعية توفر الحد الأدنى لمتطلبات الوظيفة.
ومن لا يجد وظيفة مناسبة، قد يجد نفسه مدفوعا لإقامة مشروع بالشراكة مع آخرين من أصدقائه، دون أن يقوم بدراسة جدوى للمشروع على أسس علمية، أو بالاستعانة بمكاتب خبرة في هذا المجال. ودراسة الجدوى لها أسس علمية ضرورية حيث إنها تضع تقديرات لما يُعرف بالتدفقات المالية للمشروع في أول 5 أو 7 سنوات… فعلى ضوء ما يتوافر من رأسمال للمشروع يقوم المكتب بتقدير الدخل السنوي المتوقع وتحديد المصروفات الرأسمالية من أجهزة ومعدات وأثاث، والمصروفات الجارية من رواتب ورسوم استهلاك الكهرباء والهاتف والإيجارات، والرسوم السنوية الحكومية لوزارة التجارة والصناعة، ووزارة البلدية، ومكاتب تدقيق الحسابات. ويتم تقدير الدخل عادة بناء على دراسة لأحوال السوق في المنطقة والمدينة المزمع إقامة النشاط فيها. فإذا أظهرت الدراسة أن المشروع مربح ولو من السنة الثانية أو الثالثة، فإن ذلك يكون إيذانا بالبدء في المشروع، وإلا فإن من الأفضل البحث عن مشروع آخر أو اختيار بلد آخر للتنفيذ تكون ظروفه مناسبة.
ودراسات الجدوى مهمة جداً ليس فقط لضمان نجاح المشروع، وإنما للحصول على التراخيص اللازمة من الجهات الحكومية، وللحصول على دعم مالي من بنك التنمية الحكومي الذي يشجع المواطنين على إقامة المشروعات ويقدم لهم القروض الميسرة بفائدة منخفضة.
ومن الأفضل أن يتوافر رأس المال اللازم لبدء المشروع وتغطية مصاريفه في السنوات الثلاث الأولى على الأقل، خاصة وأن المشروع قد لا يغطى مصاريفه في الفترات الأولى. ورغم أن البنوك تقدم في العادة التمويل للمشروعات وللشركات، إلا أنها تتشدد الآن في منح القروض والتمويلات إلا بضمانات. وقد يلجأ أصحاب المشروع إلى الاقتراض بضمان رواتبهم إذا كانوا موظفين، وهذا ما لا أنصح به على الإطلاق، لأنه يزيد من التكلفة التي يتحملها المشروع…وحتى في المشروعات الكبيرة التي نفذتها الدولة مثل شركات قابكو، وقافكو وغيرها، فإن البنوك كانت تغطي تمويل ما لا يزيد عن 70% من تكلفة المشروع.
فإذا تم إقرار المشروع بعد توفر عناصر النجاح، فإن من الضروري اختيار عناصر الإدارة التي ستقود المشروع إلى النجاح.
بعد هذه المقدمة عن عالم الأعمال ننتقل خطوة إلى عالم المال والاستثمار. وأهمها الودائع البنكية سواء كانت تجارية أو إسلامية، وامتلاك أسهم الشركات وتداولها في البورصة، وشراء السندات.
أما الودائع فهي أسهلها ولا تتضمن أخطار تذكر وتحصل من ورائها على عوائد مالية تختلف باختلاف المكان والزمان، ونوع العملة المودع بها، هل هي الريال القطري أم الدولار الأمريكي أو اليورو، أم الليرة التركية، وغيرها. طبعا الودائع بالدولار والريال ليس به المخاطرة المعروفة بتغير سعر الصرف خاصة أن سعر صرف الريال مرتبط بالدولار الأمريكي منذ أغسطس عام 1980 عند مستوى 3.64 ريال لكل دولار…لكن لو أودعت بعملات أخرى فإن هنالك أخطار من انخفاض سعر صرف تلك العملة مقابل الريال في نهاية فترة الإيداع.
ومنذ الأزمة المالية العالمية في عامي 2008 و2009 ومعدلات الفائدة على ودائع الريال والدولار متدنية جداً وتقل عن 3%، بينما هي على عملات أخرى كالليرة التركية مرتفعة وتزيد عن 11%، بل وكانت تتجاوز إلـ 20% سنوياً. وطبعاً تضطر البنوك المركزية إلى رفع معدلات الفائدة على عملاتها إذا كان معدل التضخم في بلدانها مرتفعة، فعلى سبيل المثال كان معدل التضخم في تركيا يصل إلى 20% ثم تراجع الآن إلى 9%، وهو في الولايات المتحدة دون المستوى المستهدف وهو 2% ويصل حاليا إلى 1.7%، بينما معدل التضخم في قطر منخفض جداً وهو سلبي ودون الصفر منذ أكثر من عام. طبعاً الفائدة على الودائع تختلف أيضاً باختلاف المدد وآجال ربط الوديعة فهي محدودة جداً لودائع التوفير، وتزيد في آجال العام والعامين والثلاثة.
ولن أتحدث عن السندات والأذونات والصكوك لأنها في قطر غير متاحة إلا للشركات، وسأنتقل إلى عالم الأسهم. والسهم يشبه الطابوق في البناء، أي هو الوحدة التي يقاس بها رأس مال الشركة. ونقصد بالشركة هنا الشركات المساهمة وليست الشركات الصغيرة ذات المسؤولية المحدودة. وطبعاً الشركات تتأسس كشركة خاصة تملكها الحكومة أو مجموعة من الأفراد، وبعد فترة من عملها تتقدم إلى هيئة الأوراق المالية تطلب تحولها إلى شركة مساهمة عامة كما يحدث الآن مع بلدنا، وكما حدث في السابق مع أزدان والسلام والاستثمار القابضة، والمناعي وغيرها. أو قد تكون شركة حكومية وتقرر الحكومة خصخصة جزء من رأسمالها كما حدث مع صناعات ، ومسيعيد، وقامكو، والخليج الدولية.
وبعد تأسيس الشركة والاكتتاب فيها يتم إدراجها في البورصة لتداول أسهمها، وفي حين أن الاكتتاب في قطر متاح للقطريين فقط، فإن التداول متاح للقطريين وغير القطريين.
المعروف أن البورصة حديثة العهد في قطر فهي تأسست عام 1997 بعدد محدود من الشركات في حدود 20 شركة تقريبا في قطاعات البنوك وشركات التأمين والصناعة والعقارات والنقل والاتصالات والسلع والخدمات.
وبدأ عصر البورصة الذهبي مع الاكتتاب في أسهم صناعات عام 2003، وتقرر أن يُطرح السهم بـ 16 ريال في حين أن القيمة الفعلية كانت تصل إلى 42 ريال، فأقبل المواطنين على الاكتتاب بقوة وتم تغطية الأسهم المطروحة بأضعاف الكمية المعروضة، ومن ثم ارتفع سعر السهم عند تداوله إلى أكثر من 73 ريالا. وكان التداول في البورصة متاح للقطريين فقط ثم تم فتح الباب لغير القطريين اعتباراً من مايو 2005، فزاد الطلب على كل الأسهم وتضاعفت أسعارها عدة مرات. وأصبح الكل يشتري أسهماً بدون دراسة وبدون مراجعة للبيانات المالية للشركات التي تصدر مرة كل 3 شهور. وعليه كان الدخول للبورصة على قاعدة اشتري اليوم تربح غدا من جراء ارتفاع سعر السهم في السوق. ومن جراء ذلك ارتفع المؤشر العام للبورصة إلى مستوى 13 الف نقطة علما بأنه بدأ بـ 100 نقطة عام 1997 وكان في عام 2002 في حدود 2000 نقطة فقط. واستغلت كثير من الشركات الطلب الشديد على الأسهم في توزيع أسهم مجانية على المساهمين بدلا من الأرباح النقدية، فزادت بذلك رؤوس أموالها، وقلت قدرتها على توزيع أرباح نقدية في السنوات التالية خاصة إذا لم تستثمر تلك الأموال في التوسع في أنشطتها.
وتضاعف عدد الشركات المدرجة في البورصة إلى نحو 45 شركة بدخول شركات جديدة.
وبمرور الوقت بدأت أسعار الأسهم تنخفض عن مستوياتها القياسية التي وصلتها نتيجة زيادة العرض عن الطلب وعندما حلت الأزمة المالية العالمية في أكتوبر 2008 فإن أسعار الأسهم انخفضت بشدة إلى مستوى 5000 نقطة، وفي تلك الفترة أيضاً انخفضت أسعار العقارات إلى النصف. وبعد الأزمة اندمجت شركات مع بعضها وخرجت شركات فانخفض العدد إلى 42 شركة وظل الحال كذلك حتى دخول شركات جديدة في السنوات الخمسة الأخيرة منها مسيعيد والاستثمار القابضة وبنك قطر الأول وقامكو. وبعد بلدنا سيصل العدد إلى 47 شركة.
والإقبال على الاكتتابات لم يعد كما في أيام صناعات لأنه ليس فيها مكرمة، بل ولعزوف المستثمرين عن البورصة انخفضت أسعار الأسهم لكثير من الشركات إلى دون السعر الاسمي المكتتب به.
وأصبح أصحاب الأموال الآن في حيرة بين العائد المنخفض جداً للودائع وبين التراجع الشديد في أسعار الأسهم والعقارات، وباتت تطل علينا توقعات كثيرة بقرب حدوث أزمة مالية عالمية جديدة ولهذا بات الناس يذهبون لشراء الذهب فارتفعت أسعاره أو أنهم يتركون أموالهم في ودائع منوعة.