ثلاثة محاور اقتصادية في خطاب الأمير (1 – 3)

هناك ثلاثة محاور على الجانب الاقتصادي تركز حولها خطاب حضرة صاحب السمو الأمير المفدى في دور الانعقاد العادي لمجلس الشورى ، وهذه المحاور الثلاثة تعكس نظرة القيادة السياسية في البلاد لأوضاعنا الاقتصادية المرتقبة خلال العام القادم وهذه المحاور هي :
( 1 ) إننا في سبيلنا لتجاوز الآثار السلبية التي نجمت عن الانخفاض الحاد في أسعار النفط قبل سنتين باقترابنا من أعلى المستويات.
( 2 ) ضرورة عدم التخلي عن عامل الحيطة والحذر عند تقدير حجم إيراداتنا ومستويات إنفاقنا بما يحقق التوازن بينهما مع التسليم بأن الارتفاع الحالي في أسعار النفط قد يتحول إلى انخفاض حاد غداً مما يوجب متابعة هذه التطورات بدقة وأن نخطط اقتصادنا بما يجنبه الهزات.
( 3 ) إن مشروعاتنا الصناعية القائمة على الغاز قد أوشكت على الانتهاء ودخل بعضها مرحلة الإنتاج وسوف يكون تركيزنا المستقبلي على الصناعات المتوسطة والخفيفة- إلى جانب الأساسية- لتساهم في تكامل مسيرتنا التنموية في كافة المجالات.
***
على المحور الأول يمكن أن نفهم من الخطاب أن الاقتصاد القطري قد تجاوز الآثار السلبية لمحنة انخفاض أسعار النفط عام 1998 التي كان من أهمها :
( 1 ) اعتماد ميزانية تقشف صارمة للسنوات 1998/1999 و1999/2000 و2000/2001 وما أدى إليه ذلك من تجميد أو تأجيل كثير من مشروعات البنى التحتية والخدمات الأساسية، وتجميد التعيينات والترقيات.
( 2 ) ارتفاع حجم الديون المدينة للدولة عن المستويات المخططة وتنامي الأقساط السنوية لخدمة الدين العام إلى مستويات غير مسبوقة.
( 3 ) تراجع نمو الاقتصاد المحلي بشدة ودخول بعض قطاعاته كالتجارة والعقارات في ركود شديد .
وإذا كانت هذه من أهم الآثار السلبية التي أصابت الاقتصاد القطري خلال الأعوام الماضية، فإن تجاوزها يعنى في المقابل أن الميزانية القادمة لعام 2001/2002م ستشهد انفراجاً وتوسعاً في الإنفاق بما يضمن إعادة الحياة إلى المشروعات المؤجلة أو المجمدة والى السماح بتوسع مخصصات بند الأجور والرواتب . كما أن تجاوز الآثار السلبية في مسألة الديون وفوائدها يعني أنه في الوقت الذي قد لا تعود فيه الحكومة إلى الاقتراض لانتفاء العجز وتحوله إلى فائض ، فإن هذا الفائض قد تم توجيهه لسداد جانب من الديون الخارجية فضلاً عن نجاح الحكومة في تسنيد جزء هام من ديونها المحلية والخارجية بتحويلها إلى سندات حكومية .
وإذا كان من المتوقع أن تنتهي الآثار السلبية المشار إليها بشكل كامل خلال الشهور القليلة القادم ، فإن ذ لك ولا شك سيفتح الباب لانتعاش الاقتصاد المحلي وخاصة فيما يتعلق بقطاعات التجارة والمقاولات والعقارات وذلك من جراء تزايد الإنفاق الحكومي سواء على بند الرواتب والأجور أو بند الخدمات أو بند المشروعات الرئيسية.. كما سيستفيد الاقتصاد المحلى الخاص- من تراجع الطلب الحكومي على الائتمان الاقتراض من البنوك المحلية وذلك يؤدي إلى زوال الاحتقان من مراكز السيولة المحلية وبالتالي يعمل على انخفاض معدلات فائدة الإقراض.
***
وعلى المحور الثاني يطالب حضرة صاحب السمو الأمير المفدى بعدم التخلي عن عامل الحيطة والحذر عند وضع تقديرات الموازنة العامة بما يحقق التوازن بينهما.. فإذا كانت أسعار النفط قد استقرت فوق مستوى 30 دولاراً للبرميل لعدد شهور خلت فإنها قد تعود إلى الانخفاض ثانية وهذا الاحتمال قائم وممكن، وإن كان من المسلم به أن أوضاع السوق العالمية للنفط قد تبدلت بحيث بات من غير المتصور حدوث انخفاض كبير في الأسعار في المستقبل القريب فالمخزونات البترولية العالمية عند أدنى مستوياتها ومستويات الطلب العالمي لا تمكن من إعادة بناء تلك المخزونات ، ولكي ينخفض الطلب العالمي لابد من حدوث ركود اقتصادي عالمي قوى وهذا ما لا يبدو في الأفق حتى الآن.. وحتى لو بدأت أسعار النفط في الانخفاض فإن الآلية المتفق عليها بين الدول المصدرة للنفط لن تسمح بانخفاض الأسعار دون مستوى 22 دولاراً للبرميل وقد أثبتت التطورات خلال عامي 1999/2000 قدرة المصدرين على الاتفاق وتمسكهم وثباتهم على ما يتم الاتفاق عليه. وعلى ذلك فإن ما يمكن استشرافه من خطاب حضرة صاحب السمو الأمير المفدى هو أن الميزانية القادمة ستعتمد سعراً للنفط في حدود 20 دولاراً للبرميل وذلك يشكل الحذر المطلوب من ناحية وفي نفس الوقت فإنه يحدث زيادة ملحوظة في الإنفاق العام لا تقل عن ثلاثة آلاف مليون ريال. وفي حالة اعتماد سعر اكثر تحفظاً وهو 18 دولاراً للبرميل فإن الزيادة في الإنفاق لن تقل عندها عن 2500 مليون ريال.