استكمالاً لحديث سابق عن المحور الاقتصادي في خطاب حضرة صاحب السمو الأمير المفدى في افتتاح دور الانعقاد الثلاثين لمجلس الشورى، أتطرق اليوم إلى ما أبداه سموه من ملاحظة بشأن الصناعات المتوسطة والخفيفة، وكيف أن نشاط القطاع الخاص في قطر في هذا المجال كان دون الطموحات والآمال المنتظرة ، فلماذا تأخر القطاع الخاص في هذا المضمار رغم ما بذلته الدولة من جهود لتهيئة المناخ اللازم لانطلاق مشروعات الصناعات الخفيفة والمتوسطة؟
للاجابة على هذا السؤال لا بد أن نستذكر أن نجاح أي مشروع يتطلب توافر مجموعة من العناصر الهامة التي من بينها رأس المال والتمويل، والموادالخام والطاقة والخبرة التنظيمية وقوة العمل والأسواق .. ولقد نجحت المشروعات الصناعية الكبرى في قطر عندما توافرت لها هذه العناصر، مع تمتعها بميزة نسبية واضحة في مجال توافر المادة الخام والطاقة بأسعار زهيدة من ناحية، وسهولة الوصول إلى الأسواق العالمية الراغبة في الحصول على المنتجات الصناعية القطرية من ناحية أخرى.
وأما بالنسبة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، فإن الأمر يبدو مختلفاً إذ أن أغلبها يكون في العادة موجهاً للسوق المحلية والأسواق الأقليمية المجاورة، وهنا يجد المستثمرون أنفسهم في مواجهة مشكلة ضعف الطلب المحلي وعدم القدرة على المنافسة في الأسواق الخليجية فضلاً عن العالمية .. بل أن المنتجات الخليجية والأجنبية المماثلة تكون أقدر على المنافسة داخل السوق القطري نفسه بسبب قلة التكاليف وطول الخبرة .. وقد واجهت كثير من الصناعات القطرية القائمة هذه المشكلة سواء في مجال الصناعات الغذائية كالألبان أو مواد التنظيف كالصابون بأنواعه أو المنتجات الورقية وما إلى ذلك . وبالطبع سوف تتعمق هذه المشكلة في المستقبل إذا ما أدت الجولة الجديدة من المفاوضات التجارية التي انطلقت من الدوحة إلى المزيد من الحرية في مجال التجارة والاستثمار بما قد يمكن الآخرون من الدخول إلى السوق القطرية بحرية أكبر وبدون ان تكون الحكومة القطرية قادرة على تقديم الحماية للمنتجات القطرية.
وعليه فإن نجاح أي مشروع قطري لا يكون مضموناً لمجرد توفر التمويل اللازم للمشروع ، أو لوجود ميزة نسبية محدودة في مجال الطاقة أو لتوافر المواد الخام من نتاج المشروعات الصناعية الكبرى بأسعار معقولة .. وإنما لا بد من ضمان عنصر التنظيم الجيد بمشاركة أجنبية فاعلة من الشركات ذات الخبرة في مجال إدارة الانتاج فضلاً عن المساعدة في تسويق جانب مهم من المنتجات خارج قطر .. وقد نجح بنك التنمية الصناعية القطري في الترويج لمشروع المستلزمات الطبية بمشاركة المانية عندما توافرت للمصنع كل عنصر النجاح وفي مقدمتها امكانية تسويق جزء هام من الانتاج عالمياً بمساعدة الشريك الأجنبي ..
ومن هنا فإنه في ظل محدودية السوق القطري وعدم وجود خبرة تنظيمية محلية في مجال الصناعات الخفيفة والمتوسطة، فإن المسؤولية تقع على عاتق إدارة التنمية الصناعية للاسهام بفاعلية في هذا المضمار .. ورغم أن الادارة ، وكذا منظمة الخليج للإستشارات الصناعية، لم تقصران في مجال دراسة المشروعات والترويج لها ، إلا أن الأمر يستلزم إلى جانب ذلك البحث عن الشركات الأجنبية القادرة على الانتاج والتسويق مثلما فعل بنك التنمية الصناعية في مشروع المستلزمات الطبية ، وعندها سوف يطمأن القطاع الخاص القطري ويقدم على المساهمة بفاعلية في مثل هذه المشروعات.