تحرص الدول المتقدمة على أن تحقق في كل عام معدلات نمو حقيقية لاقتصادها الوطني تتراوح نسبته ما بين 2 – 4% سنوياً ، فإذا ما ارتفعت النسبة أكثر من 4% كان ذلك مؤشراً على احتمال ارتفاع أسعار السلع والخدمات وبالتالي تزايد الضغوط التضخمية ، وإذا ما انخفضت النسبة عن 2% دل ذلك على تباطؤ النمو الاقتصادي وما يتبعه في العادة من ارتفاع عدد العاطلين عن العمل وارتفاع نسبة البطالة وانخفاض مستويات المعيشة .
وفي دولة قطر لا تنطبق المعايير ذاتها كما في الدول المتقدمة ، فمعدل النمو الاقتصادي يتأرجح سنة بعد أخرى بسبب ارتفاع أسعار النفط والغاز وهو في سنة يزيد على 24% وفي أخرى ينخفض بنسبة 7% وفي ثالثة يرتفع إلى 35% وفي رابعة ينخفض بنسبة 8,1% ، ورغم أن هذه الأرقام هي معدلات النمو الاسمية وليست الحقيقية ، إلا أن من المتصور أن الأرقام الحقيقية لا تبعد عنها كثيراً نظراً لانخفاض مستويات معدل التضخم في قطر سنة بعد أخرى . . ولو أخذنا متوسط معدل النمو في خمس سنوات لتحاشي التذبذبات السنوية فسنجد أن معدل النمو المتوسط يقترب من 10% سنوياً وهو معدل نمو مرتفع بكل المقاييس كما أنه نتيجة طبيعية للاستثمارات المرتفعة جداً للقطاع العام في مجال الصناعات الهيدروكربونية والبتروكيماوية . .
ومع ذلك فإن مشكلة البحث عن وظيفة في قطر هي من المشكلات التي تواجه شريحة واسعة من خريجي الجامعات في كل سنة وإن اختلفت حدة المشكلة من تخصص لآخر ومن جنسية لأخرى ومن شخص لآخر ، فالمشكلة بالنسبة للقطريين هي في إيجاد الوظيفة المناسبة للتخصص ، إذ أن هنالك بعض التخصصات التي لم يعد المجتمع بحاجة إلى منتسبين لها ويضطر خريجو هذه الفئة إلى البحث عن وظائف أخرى أو الانتظار لحين الاعلان عن وظيفة شاغرة . . ويواجه بعض الخريجين من القطريين صعوبات في الحصول على وظائف مناسبة في أجهزة معينة بذاتها لما تتطلبه تلك الجهات من مواصفات وقدرات ومهارات معينة قد لا تتوافر في الشخص المتقدم . .
وبالنسبة لغير القطريين من المقيمين في البلاد منذ سنوات طويلة فإن المشكلة تبدو أكثر عمقاً وتعقيداً وذلك في في غياب جهات معينة في إدارة العمل تهتم بأوضاعهم وبدراسة إمكانية الاستفادة منهم في الوظائف الشاغرة في مختلف أجهزة وإدارات القطاعين العام والخاص. وأول ما يواجه الخريج مشكلة عدم وجود خبرة، ويضطر الكثيرون في مواجهتها للقبول بالعمل فترات قد تمتد إلى سنوات (بدون مقابل)، ويكون عليهم أحياناً كثيرة القبول بأي عمل حتى لا يكون مخالفاً لنظم الإقامات.. أو حتى يستطيع الحصول على مصدر دخل يكفل له ولأسرته إستمرار الحياة الكريمة.. ومن الأمثلة التي يعرفها الكثيرون فئة أطباء الأسنان الذين يعمل معظمهم في مجال توزيع الأدوية بإعتباره هو أقرب التخصصات لهم.
ورغم عدم وجود إحصاءات رسمية عن إعداد الخريجيين من غير القطريين وعن نسبة البطالة بينهم ، إلا أن من الواضح أن هؤلاء يمثلون مشكلة إجتماعية يجب أن تجد طريقها للحل لما فيه مصلحتهم ومصلحة قطر.. وقد يكون من الضروري إصدار بعض التشريعات العمالية التي تكفل للخريجين من غير القطريين فرصة للحصول على وظائف وأن تكون لهم أولوية في ذلك على القادمين الجدد..أو أن تعمل كل جهة عمل على استقطاب عدد من هؤلاء الخريجين بإشراف إدارة العمل.
إن حصول إبن المقيم على عمل مناسب فيه تكريم للمقيم الذي خدم البلاد لسنوات طويلة وفيه تدعيم للسلام الإجتماعي وتعزيز لفرص النمو الإقتصادي.. والموضوع لا يهم فئة محدودة فقط ولكن تمتد آثاره إلى شريحة واسعة من أفراد المجتمع ولذلك نوصي بأن يحظى بإهتمام الجهات المعنية والمسؤولين في وزارة الخدمة المدنية والإسكان.