تأملات في مسألة تنويع مصادر الدخل

احتفلت قطر في شهر سبتمبر الماضي بالذكرى الثلاثون لاستقلالها، ومنذ فجر الاستقلال شرعت الحكومة القطرية باعتماد برامج انمائية طموحة من أجل تحقيق هدف عزيز وهو السعي لتنويع مصادر الدخل، ليس الدخل الحكومي فحسب وإنما الدخل القومي في قطر (أي الدخل المتحقق من عمل جميع أفراد المجتمع ومؤسساته وشركاته)، وذلك لتقليل الاعتماد على النفط بحيث إذا ما نضبت حقوله في يوم من الأيام، أو إذا انخفضت معدلات إنتاجه إلى مستويات متدنية كما حدث في دول أخرى كالبحرين أو إذا انخفضت أسعار النفط بشدة قريباً من 10 دولارات للبرميل كما حدث في عامي 1986 / 1998م فإن الحياة الاقتصادية والبشرية في البلاد لا تتوقف، لاعتمادها على مصادر أخرى للدخل.
ولقد اختلفت برامج التنويع الاقتصادي ما بين دولة وأخرى، فقد ركزت دولة الكويت على تكوين احتياطي مالي كبير يتم استثماره في الخارج ليكون العائد من هذا الاحتياطي هو مصدر العون في الحالات التي أشرنا إليها، وقد نجحت الكويت في ذلك إلى حد كبير، وكان الاحتياطي الذي يعرف باحتياطي الأجيال القادمة هو المصدر الأساسي الذي اعتمدت عليه الكويت في انفاقها في فترة توقف آبار النفط الكويتية عن الانتاج بالكامل عامي 1990 و 1991م.
ونجحت أبوظبي في تكوين احتياطي مالي كبير، واتجهت البحرين إلى التركيز على قطاع الخدمات وخاصة الخدمات المالية، ونجحت دبي في تنشيط قطاع التجارة حتى غدت أكبر مركز أقليمي للتجارة الحرة في منطقة الشرق الأوسط.. وبالطبع فإن هذه الدول والامارات لم تغفل الجوانب الأخرى للتنمية حيث عملت كل منها على سبيل المثال على إقامة بعض الصناعات، إلا أن تركيز كل دولة قد انصب على القطاع المشار إليه ليكون القطاع القائد الذي يولد الدخل الكافي لاستمرار مقومات الحياة في مرحلة ما بعد النفط.
وقد اختارت قطر منذ البداية طريق التصنيع نظراً لأن ما تم اكتشافه من احتياطات هائلة من الغاز غير المصاحب منذ عام 1971م قد دفعت إلى اختيار هذا الطريق، وتم التركيز منذ بداية التسعينيات على مشروعات تصدير الغاز مسالاً أو تصنيعه محلياً. واليوم وبعد مرور 30 سنة على اكتشاف حقل الشمال للغاز وعلى استقلال قطر فإن برامج التنويع الاقتصادي قد بدأت تؤتي ثمارها المرجوه، فصادرات الغاز ومشتقاته بلغت في عام 2001م نحو 13 بليون ريال أو ما يعادل 22% من الناتج المحلي الاجمالي، في حين بلغت قيمة صادرات النفط نحو 20 بليون ريال أو ما يعادل 34% من الناتج. ومن المنتظر أن ترتفع نسبة مساهمة الغاز في الناتج المحلي الاجمالي بحيث تزيد عن 40% بعد أعوام قليلة وخاصة بعد استكمال المشروعات التي يجري تطويرها حالياً من أجل تصدير الغاز للهند.
وقد نجحت قطر في إقامة مجمعات صناعية ضخمة لانتاج الأسمدة الكيماوية والبتروكيماويات والحديد والصلب، وباتت على وجه الخصوص مرشحة لأن تكون أكبر منتج عالمي في مجال الأسمدة الكيماوية وذلك بعد استكمال مشروع التوسعة الرابعة، كما أنها ستكون من بين كبار منتجي البتروكيماويات في العالم إذا ما تم تنفيذ عدد من المشروعات المخطط لها. وقد ارتفعت مساهمة قطاع الصناعة التحويلية في الناتج المحلي الاجمالي لتصل في عامي 2000 و 2001م في حدود 3500 مليون ريال بالأسعار الجارية حسب بيانات إدارة الاحصاء بمجلس التخطيط. وقد لاحظت أن الرقم في عام 1990م كان لا يختلف كثيراً عن هذا المستوى. وهذا يعني أحد احتمالين، الأول: أن برامج التنمية الصناعية لم تحقق الكثير منذ عام 1990م وهذا أمر مستبعد إذ أن المصانع العاملة قد تضاعف منذ ذلك التاريخ تقريباً، والثاني: أن تكون الأرقام الاحصائية غير دقيقة في حصر الناتج الصناعي، ويحدث ذلك إذا كان اطار المسح الصناعي المستخدم قديم وغير شامل لكل الصناعات المستحدثة.