توقعات النمو الاقتصادي لعام 2002 .. ومدلولات الأرقام (1-2)

تهتم الدول في العادة بتحقيق نمو اقتصادي معقول لما ينشأ عن النمو من وظائف جديدة ، ويكون الاهتمام في العادة بأرقام النمو الحقيقية التي تعبر عن التوسع في حجم السلع والخدمات المنتجة دون التوقف كثيراً عند أرقام النمو المحسوبة بالأسعار الجارية ، فما هي أرقام النمو المتوقعة للاقتصاد القطري في عام 2002 ، وما هي مدلولات تلك الأرقام؟
من المرجح أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي القطري (بالأسعار الجارية) في عام 2002م بما نسبته 19.8% ليصل إلى مستوى 70.4 مليار ريال ، وليواصل بذلك مسيرته القوية التي بدأت بتحقيق معدل نمو 20.8% عام 1999م وبنسبة 32.8% في عام 2000م ، قبل أن يهدأ في عام 2001م ويسجل تراجعاً محدوداً بنسبة 1.8%. والطفرة الجديدة المتوقعة لهذا العام تحدث نتيجة لنمو مرتفع في قطاع النفط والغاز بنسبة 27.9% ونمو أقل بنسبة 9.3% في بقية القطاعات غير النفطية .. وفي حين أن نمو قطاع النفط والغاز سوف يرفع ناتج هذا القطاع إلى مستوى 42.4 مليار ريال وذلك نتيجة لعاملين هما ارتفع أسعار النفط والغاز من ناحية وزيادة انتاج الغاز المسال من ناحية أخرى .. فإن إجمالي نواتج القطاعات غير النفطية سوف يرتفع إلى مستوى 28 مليار ريال نتيجة لزيـادات في نـواتج قطاعات الخـدمات الحكومـية والصـناعة التحويلية والبنــوك والعقارات. هذه التوقعات والتقديرات الأولية مبنية في مجملها على بعض النتائج المتحققة في الشهور التسعة الأولى من السنة حتى نهاية سبتمبر 2002م ، مع بعض التقديرات المتحفظة لفترة الربع الرابع الذي بدأ بالأمس وينتهي مع نهاية شهر ديسمبر القادم.
وفي نظر الكثيرين ، فإن هذه الأرقام لا تعدو كونها مؤشراً عاماً على حالة الاقتصاد القـطري ، وأنها تشير إلى أن الأمور بخير وعلى ما يرام. أما الاقتصاديون فيتطلعون إلى ما تعكسه هذه الأرقام من حقائق ، ويربطون بينها وبين مستوى التضخم في قطر للوصول إلى معدل النمو الحقيقي للاقتصاد خلال السنة ، مع التسليم بأن مدلولات أرقام النمو الاقتصادي في قطر ليست ذاتها التي تهتم بها الدول المتقدمة ، وذلك لخصوصية وضع الاقتصاد القطري. ولكي نشرح ذلك نقول إن الدول المتقدمة تسعى إلى تحقيق معدلات نمو حقيقية تتراوح ما بين 2 – 4% سنوياً بعد استبعاد تأثير التضخم ، وأن انخفاض المعدل إلى ما دون الـ 2% يشير غالباً إلى تباطؤ الأداء الاقتصادي وما قد يتبعه من تزايد نسبة البطالة لعدم خلق وظائف جديدة كافية. أما ارتفاع المعدل عن 4% فإنه يشير غالباً إلى حالة من الفوران الاقتصادي ، تصحبها زيادة في عمليات التوظيف وانخفاض نسبة البطالة ، وقد يؤدي استمرار هذه الحالة إلى ارتفاع معدل التضخم إذا ما وصل المجتمع قريباً من حالة التوظيف الكامل لموارده. وإذا كان ضعف الآداء الاقتصادي وازدياد نسبة البطالة أمر غير مرغوب فيه ، فإن الفوران الاقتصادي المؤدي لارتفاع معدل التضخم هو أيضاً غير مقبول ، وتسعى البنوك المركزية في العادة إلى توجيه اقتصادات بلدانها نحو النمو المعتدل باستخدام أدوات السياسة النقدية المتاحة لديها.
والوصول إلى معدلات النمو الحقيقية للناتج المحلي يتم عادة باحتساب نواتج كافة القطاعات مقومة بأسعار سنة الأساس وذلك لاستبعاد أثر التغير في الأسعار ، وذلك حتى لا تكون الزيادة في الناتج قد جـاءت نتيجة لارتـفاع أسـعار السلع والخدمات ، ولم تأت من التوسع في حجم السلع والخدمات المنتجة. ولو استبعدنا تأثير ارتفاع أسعار النفط والغاز ، لوجدنا أن ناتج قطاع النفط والغاز بالأسعار الثابتة ربما يكون قد حقق زيادة طفيفة أو أنه ظل مستقراً في عام 2002 لأن الزيادة في انتاج الغاز المسال قد قابلها تراجع في كميات النفط الخام المنتج امتثالاً لقرارات الأوبك. وبناءاً على ذلك ، فإن من المتوقع ألا يكون قطاع النفط والغاز قد توسع في عمليات التوظيف إلا في أعمال شركات الغاز أو نتيجة لإحلال القطريين مكان غير القطريين في أعمال النفط.
ومع ذلك فإنه قد كانت للنمو الكبير الذي شهده هذا القطاع بالأسعار الجارية آثار إيجابية تمثلت في تحقيق فوائض في الموازنة العامة للدولة ، وفي كل من الحساب الجاري وميزان المدفوعات. وقد تحققت هذه النتائج نظراً لأن الارتفاع في الأسعار لم يكن تضخمياً ، أي لم ينصب على سلع الاستهلاك المحلي بل أصاب سلع التصدير التي تتمثل في النفط والغاز المسال ، ولو كان الارتفاع في أسعار المنتجات المستهلكة محلياً لما كانت له تلك الآثار الايجابية. ونواصل في متابعة أخرى تحليل ما تشير إليه التوقعات بشأن نمو القطاعات غير النفطية.