أشرت في الجزء الأول من هذا المقال إلى أن خلق وظائف جديدة سنوياً هو الشغل الشاغل للدوائر الاقتصادية في أي بلد ، وأن متابعة هذا الأمر تتم عادة من خلال الأرقام التي تصدر تباعاً عن معدلات التشغيل والبطالة والنمو الاقتصادي ، سواء في ذلك المعدلات الشهرية أو الفصلية أو السنوية . وذكرت أيضا أنه كلما توسعت الأنشطة الاقتصادية وارتفع الناتج المحلي الاجمالي كلما دل ذلك على زيادة في عدد الوظائف الجديدة بشرط أن تكون الزيادة في الأرقام الحقيقية أي بعد استبعاد أثر التضخم وارتفاع الأسعار .. وفي قطر لا توجد إحصاءات رسمية منتظمة عن البطالة أو عن عدد الراغبين في العمل و الباحثين عنه ، ويتركز الاهتمام على متابعة الأرقام التي تصدرها إدارة الإحصاء بمجلس التخطيط سنوياً وتلك التي يصدرها مصرف قطر المركزي فصلياً عن معدلات النمو الاقتصادي للتعرف على ما اذا كان هناك توسع في النشاط الإقتصادي وفي خلق الوظائف الجديدة أم لا ..
وتشير التوقعات إلى أن معدل النمو الاقتصادي المنتظر لعام 2002م سيصل إلى مستوى 19.8% ، وأن الجانب الأعظم من الزيادة في قيمة الناتج ستحدث في قطاع النفط والغاز الذي سينمو بمعدل 27.9% ، في حين ستنمو القطاعات غير النفطية بما نسبته 9.3% وذلك كله بالأسعار الجارية.
وقد يظن البعض أن انخفاض معدل التضخم في قطر إلى مستوى 1.4% سنوياً يجعل الأرقام الحقيقية للنمو الاقتصادي لا تختلف كثيراً عن الأرقام الاسمية (أو بالأسعار الجارية) .. وذلك في رأيي غير صحيح. وقد شرحت في الجزء الأول من المقال كيف أن الزيادة الكبيرة في ناتج قطاع النفط والغاز قد نجمت عن ارتفاع في أسعار النفط والغاز لهذا العام مقارنة بالعام 2001م ، وأن الناتج الفعلي لهذا القطاع (أي بالأسعار الثابتة) قد ظل مستقراً بعد أن غطت الزيادة في ناتج الغاز المسال على الانخفاض في كميات النفط المنتجة امتثالاً لقرارات الأوبك .. وأشرت أيضاً إلى أن زيادة أسعار النفط تؤدي إلى نتائج طيبة على صعيد فائض الموازنة العامة للدولة والحساب الجاري وميزان المدفوعات ، ولكنها لا تخلق وظائف جديدة ولا تعبر عن زيادة في حجم النشاط الاقتصادي.
واستكمالاً للحديث عن النمو الاقتصادي في قطر وتوقعاته لعام 2002 نشير هنا إلى أن بعض القطاعات غير النفطية من المقدر لها أن تحقق نمواً ملحوظاً هذا العام ومنها قطاع المقاولات الذي ظل راكداً لعدة سنوات سابقة ثم حقق قفزة كبيرة تشهد عليها الحركة العمرانية المتميزة سواء فيما يتعلق ببناء الأبراج والعمارات السكنية أوالمدارس والجامعات المستشفيات والفنادق وشق الطرق وتوصيل المجاري وكل هذه الأعمال تحتاج إلى توسع في تعيين العمال والمهندسين.
ومن جهة أخرى نجد أن قطاع البنوك قد شهد هو الآخر توسعاً ملحوظاً تمثل في ازدياد عدد فروع البنوك العاملة في البلاد وازدياد عدد أجهزة الصراف الآلي وزيادة الخدمات المصرفية وتنوعها بعد أن دخلت معظم البنوك نشاط التجزئة المصرفية كأنشطة بطاقات الائتمان وتمويل مشتروات السيارات والعقارات وكافة السلع الاستهلاكية الأخرى ، إضافة إلى قيام البنوك بالأنشطة الاستثمارية المتنوعة ، وهذا التوسع في أعمال البنوك لابد وأنه رافقه توسع في التوظيف ، وإن كان هذا لا ينفي أن الجانب الأعظم من الزياده في أرباح البنوك قد نجمت عن الفارق الكبير في أسعار الفائدة بين الإقراض والإيداع وهذه لا تؤدي الى زيادة في عدد الوظائف الجديدة في هذا القطاع.
كما شهدت بعض القطاعات نموا حقيقيا هذا العام مثل قطاع الخدمات الحكومية وقطاع الإتصالات وقطاع الكهرباء والماء وقد نتحدث عن تلك القطاعات في متابعة قادمة .