تحدثت في الأسبوع الماضي عن قرار الحكومة القطرية دعم احتياطيات سعر صرف الريال بما قيمته مليار دولار إضافية ، للتأكيد على متانة وضع الريال ، والمساعدة بالتالي في تحسين تقييم ملاءة قطر المالية ورفع درجة تصنيفها بما يعزز من مكانتها الاستثمارية في أسواق المال ، ويزيد من جاذبية قطر للاستثمارات الأجنبية . وقد أكدت في المقال السابق أن القرار يدعم ثبات سعر صرف الريال القطري أمام الدولار عند السعر الذي حدده القانون وهو 3.64 ريال للدولار .. إلا أن ذلك لا يمنع من تراجع قيمة سعر صرف الريال أمام العملات الأخرى كاليورو والاسترليني والين إذا ما ارتفعت أسعار هذه العملات مقابل الدولار. والحقيقة أن سعر صرف اليورو قد ارتفع مقابل الدولار من نحو 89 سنتاً أمريكياً لليورو الواحد إلى نحو 1.16 دولار خلال السنة الماضية .. وقد نتج عن هذا الارتفاع ، ارتفاع مماثل في سعر صرف اليورو أمام الريال .. وبعد أن كان اليورو يعادل 3.25 ريال قطري قبل عام ، فإنه بات اليوم في حدود 4.25 ريال أو أكثر.
هذا الارتفاع في سعر صرف اليورو مقابل الريال أو ما يقابله في المعنى من انخفاض سعر الريال مقابل اليورو ، يؤدي ولا شك إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة من أوروبا ، وعلى سبيل المثال فإن التاجر الذي كان يشتري أي قطعة غيار في سيارة أوروبية بسعر مائة يورو او ما يعادل 325 ريال ، فإنه بات اليوم مضطراً لدفع 425 ريال مقابل نفس السلعة ودون أن يتغيرسعرها الأصلي أي المائة يورو .. وذلك يشكل زيادة 30% في سعر السلعة .. وفي الغالب فإن التاجر في قطر مضطر إلى نقل الزيادة في السعر أو جزء منها على الأقل إلى المستهلك.وقد تؤدي ظروف المنافسة في السوق القطرية إلى تأخير اتخاذ التاجر هذه الخطوة ، خاصة إذا كان ما لديه من مخزون السلعة قد تم تكوينه بالأسعار الرخيصة .. أو أنه قد يضطر إلى تحمل جزء من الزيادة في السعر حتى لا يخسر الزبائن الذين قد يتحولون إلى شراء سلع بديلة من أسواق غير أوروبية..
وأي ما كان الأمر ، فإن استمرار انخفاض سعر صرف الدولار مقابل العملات الأوروبية وبدرجة أقل مقابل الين الياباني سوف يؤدي ولا شك إلى إحداث تأثيرات ملموسة على أسعار منتجات هذه البلدان ، وقد يكون لذلك تأثيره المحتمل لجهة رفع معدل التضخم في قطر في 2003 بعد أن ظل المعدل يتراجع في السنوات الخمس الماضية بحيث وصل في عام 2002 إلى مستوى ربع في المائة فقط (0.24%) ، إلا أن هذا الأمر-أي استمرار انخفاض سعر الدولار- قد لا يحدث.
والتوقعات عن احتمال انخفاض سعر صرف الدولار أمام اليورو تستند إلى فارق معدلات الفائدة بين العملتين ، حيث أنها 2% على اليورو ، و 1.25% على الدولار ، مع توقع إقدام مجلس الاحتياط الفدرالي (البنك المركزي) على خفض المعدل على الدولار هذا اليوم أو غداً إلى واحد في المائة فقط. هذا الفارق بين المعدلين يجعل اليورو أكثر جاذبية للمستثمرين ، فيرتفع سعره مقابل الدولار.
إلا أن هذا الارتفاع في سعر اليورو يضر كثيراً بالاقتصادات الأوروبية التي باتت تقف اليوم على حافة الركود الاقتصادي ، ولذلك من المنتظر أن يسارع البنك المركزي الأوروبي إلى إجراء خفض جديد على معدل الفائدة على اليورو في الاجتماعات الدورية القادمة. ومن هنا استبعد حدوث المزيد من التدهور في سعر الدولار – وبالتالي الريال – مقابل اليورو ، وأنه على العكس من التوقعات التي راجت في الأسابيع الأخيرة ، فإن احتمال حدوث تراجع تصحيحي في سعر صرف اليورو مقابل الدولار بات أقرب إلى المنطق من ارتفاعه إلى مستوى 1.25 – 1.30 دولار لكل يورو ، والله أعلم.