أضواء علي الارتفاع الراهن في أسعار النفط.. عبر ودروس من الماضي

اذا كان ارتفاع سعر برميل النفط الي اكثر من 25 دولارا للبرميل طيلة عاممضي مدعاة لارتياح المصدرين ومبررا لتنفسهم الصعداء بعد عقدين من الزمان.. فإن تجاوز الاسعار مستوي 33 دولارا للبرميل في الاسبوع الماضي، وما قيل عن احتمال وصول الاسعار الي مستوي 40 دولارا للبرميل فهو امر يدعو الي القلق من زاويا عديدة.. واقصد بذلك التأثير المباشر علي جانبي العرض والطلب في الاجل المتوسط والطويل وما يحمله ذلك بدوره من تأثير علي مستقبل اسعار النفط واستقرارها. كما انني اضع امام ناظري ما يحمله انفلات الاسعار من تأثير علي مستويات تكاليف الانتاج في الدول الصناعية وحتمية وصول هذا التأثير المرتقب الي اسواقنا المحلية انطلاقا من كوننا دول مستهلكة لما تنتجه الدول الصناعية من سلع وبضائع مختلفة.. وفوق هذا وذاك فإن انفلات الاسعار يحمل في طياته مخاطر جمة لاقتصاديات دول نامية عديدة في افريقيا وآسيا مما يضاعف من مديونياتها ويزيد من اعبائها بما يشكله ذلك من ضغوط علي مصدري النفط لتقديم مساعدات مالية عاجلة لتلك الدول علي غرار ما كان يحدث في السبعينات واوائل الثمانينات.

|||

واذا تحدثنا عن النقطة الأولي سنجد ان ميزان العرض والطلب علي النفط قد ظل مختلا طيلة عقدين من الزمان لصالح المستهلكين.. وكانت الزيادة الكبيرة في الاسعار ما بين عام 1974 – 1981 سببا مباشرا في زيادة المعروض من النفط بالقدر الذي ساهمت فيه ايضا في خفض الطلب عليه.. فالأسعار المرتفعة ساعدت علي الانتاج من مناطق ذات تكلفة انتاجية عالية وشجعت علي الاستثمار في مجال الكشف والتنقيب عن النفط في مناطق جديدة وبعيدة وبتقنيات حديثة فدخلت الي نادي المصدرين دول لم تكن كذلك من قبل وبكميات كبيرة وفي الوقت ذاته فإن ارتفاع الاسعار كان سببا فيما اصاب الاقتصاديات الصناعية من ركود في تلك الفترة فانخفض تبعا لذلك الطلب علي النفط، وتعزز هذا الانخفاض بتحول المستهلكين نحو بدائل اخري للنفط وخاصة في مجال توليد الكهرباء وبتطوير اجهزة حديثة اكثر كفاءة في استهلاك الوقود.. ويضاف الي ذلك كله نجاح وكالة الطاقة الدولية التي أسستها الدول الصناعية في مواجهة اوبك في تنظيم جهود المستهلكين وادارة الصراع بشكل جيد لتركيع المصدرين وتشتيت جهودهم وتفريق كلمتهم.

وقد كان من جراء ذلك ان تحول ارتفاع الاسعار في الفترة ما بين 1974 – 1981 الي نقمة اصابت الدول المصدرة عندما تحملت ولمدة 20 سنة تبعات ذلك في صورة انخفاض مستمر في اسعار النفط وتدهور في حصيلة الايرادات النفطية لهذه الدول.

وقد حرصت الدول المستهلكة علي الابقاء علي اسعار الوقود في بلدانها مرتفعة رغم انخفاض اسعار النفط المستورد لها لكي تجني من وراء ذلك ارباحا طائلة في صورة ضرائب علي الاستهلاك من ناحية، ولتحول دون تنامي الطلب علي النفط بقوة من ناحية اخري.

ومع ذلك فإن مدة العشرين سنة الماضية كانت كافية لحدوث تراكمات في مستوي الطلب علي النفط ورغم ان جزءا مهما من هذا الطلب كان يتم تغطيته من دول خارج الأوبك.. إلا ان مجموعة الأوبك قد نالت هي الأخري نصيبا معقولا في الزيادة.. وفي حين كان انتاج الأوبك في منتصف الثمانينات قد هبط دون الـ 15 مليون برميل يوميا بما في ذلك العراق.. فإن انتاجها اليوم يزيد علي 28 مليون برميل يوميا.. ومع ذلك فهو لا يكفي لسد الاحتياجات المتنامية في العالم بالكامل.. ويدرك المستهلكون انه لم تعد هناك طاقات فائضة لدي المنتجين من خارج الاوبك وداخلها باستثناء ما لدي المملكة العربية السعودية والامارات وبعض الدول الأخري.. ولذلك فإنهم منزعجون.. واذا لم يتفق المصدرون من منظمة الاوبك علي زيادة الانتاج بأكثر من 700 الف برميل يوميا خلال اجتماعهم هذا الاسبوع فإن ذلك لن يمنع الاسعار من مواصلة الارتفاع الي مستويات قياسية لم تعرفها من قبل.. وعلي ذلك فقد اصبحنا منذ منتصف عام 1999 في وضع جديد يميل فيه توازن العرض والطلب لصالح المنتجين الذين باتت لهم اليد الطولي في تحديد مستويات المعروض وبالتالي تحديد مستويات الاسعار.. فهل يتمكن المنتجون من ادارة الصراع بكفاءة بما يجنبهم الوقوع في مصيدة الحلقة المفرغة لدورة الاسعار في السوق.

للحديث بقية