لماذا يسعي العراق لإبقاء أسعار النفط مرتفعة ؟

أشرت في الأسبوع الماضي إلي أن التوازن الحرج لميزان العرض والطلب علي النفط وعدم وجود طاقات إنتاجية إضافية كافية هو الذي يبقي أسعار النفط مرتفعة.. وفي مثل هذه الظروف يؤدي أي حدث عارض أو خلل طاريء علي إمدادات النفط إلي مزيد من الضغط علي الأسواق باتجاه رفع الأسعار.. وقد حدث مثل ذلك يوم الجمعة عندما أدي إغلاق مصفاة توسكو في ولاية الينوي (وطاقتها 166 ألف ب/ي) لأغراض الصيانة، وكذلك عودة التوتر بين العراق والكويت وتحليق طائرات عراقية بالقرب من الحدود الكويتية إلي عودة الأسعار إلي الارتفاع ثانية وتجاوزها مستوي 34 دولاراً للبرميل (لنفط غرب تكساس). وكانت الأسعار قد شهدت تراجعاً يومي الأربعاء والخميس بعد صدور بيانات أميركية مواتية عن حجم بعض مخزونات والوقود وبسبب تراجع حدة المواجهة في أوروبا بين سائقي الشاحنات والحكومات المعنية. وهكذا فإن حالة التوتر والقلق في السوق النفطية سوف تظل قائمة خلال شهر سبتمبر علي الأقل لحين صدور إشارات مطمئنة بأن المنتجين قد بدأوا يضخون كميات إضافية من النفط.. وسوف يستغرق ذلك أسابيع أخري قادمة..

وتبذل الإدارة الأميركية في الوقت الراهن جهوداً حثيثة للحيلولة دون انفلات أسعار النفط حتي لا يؤثر ذلك سلباً علي الديمقراطيين في الجولة الانتخابية الرئاسية والتشريعية القادمة في نوفمبر.. وتدرك الحكومة العراقية علي ما يبدو أبعاد الموقف في السوق البترولية ولموقف الإدارة الأميركية منه، ولذلك تسعي الحكومة العراقية إلي الاستفادة من هذا الوضع المتأزم بالضغط المباشر علي أسعار النفط علي أكثر من جبهة:

1) الجبهة الأولي في أروقة الأوبك حيث يتشدد الوفد العراقي في المطالبة بعدم إحداث أية زيادة في الإنتاج وحجته في ذلك أن الاختلال في ميزان العرض والطلب مفتعل وظاهري وغير حقيقي وراجع للمضاربات.

2) الجبهة الثانية علي الحدود مع الكويت حيث يعمل العراق علي تسخين الوضع السياسي سواء بتوجيه الاتهامات إلي الكويت بسرقة نفطه أو بإرسال طائرات حربية عراقية لتخرق الحدود السعودية والكويتية في المناطق المتنازع عليها.

هذا التسخين والمشاكسة العراقية يعملان معاً علي إبقاء الأسعار مرتفعة وقد تستمر هذه المحاولات طالما أدرك العراقيون أنهم في مأمن من أية عمليات عسكرية رادعة لن تؤدي إلا إلي زيادة الطين بلة في مجال أسعار النفط.

وإذا كانت سنوات طويلة من العمليات الجوية ضد العراق لم تفلح في إسقاط الحكم القائم في بغداد فإن أية عمليات عقابية جديدة لن تغير من حقائق الأمر شيئاً ولأن الهدف النهائي للمشاكسة العراقية هو محاولة دفع الأمور باتجاه رفع الحصار الاقتصادي عن العراق باعتبار أن لدي العراق طاقات إنتاجية فائضة يمكن في زمن قصير نسبياً تجهيزها واستغلالها فإن هذه المحاولات العراقية تبدو مفهومة.. وإن كنا نخشي أن تؤدي التحركات العراقية بهذا الخصوص- وخاصة فيما يتعلق بالتصعيد مع الكويت- إلي إفساد جهود عربية (قطرية) تسعي حثيثة إلي الوصول إلي نفس الهدف وهو رفع الحصار والمعاناة عن الشعب العراقي بالطرق الدبلوماسية والحوار.

*****

علي أنه إذا كان من مصلحة العراق العمل حثيثاً علي تسخين جبهة أسعار النفط في الأجل القصير لتحقيق أهداف معينة، فإن ارتفاع الأسعار في الأجل المتوسط يحمل في طياته مخاطر انخفاض الطلب العالمي علي النفط ومن ثم الضغط علي الأسعار لتنخفض ثانية.. وقد صدرت توقعات عن البنك الدولي قبل يومين مفادها أن بقاء أسعار النفط ما بين 30-35 دولاراً للبرميل سوف يؤدي إلي انخفاض معدلات النمو الاقتصادي في الدول المتقدمة بواقع نصف بالمائة وبنحو 75ر0 بالمائة في الدول النامية ويكون الأمر بالغ السوء لو ارتفعت الأسعار فوق 35 دولاراً للبرميل.