ارتفاع أسعار النفط رهن بالتهديدات ضد العراق

ما يحدث في أسواق النفط العالمية هذه الأيام من ارتفاع في الأسعار إلى ما يزيد عن 25 دولار لبرميل نفط غرب تكساس ونفط برنت وإلى أكثر من 23 دولار لبرميل نفط سلة خامات الأوبك، لهو بكل تأكيد نتيجة لحسابات غير صحيحة وغير دقيقة من جانب المضاربين..
فمن ناحية كانت الأسعار آخذة في التراجع في الربع الرابع من العام الماضي (مع دخول فصل الشتاء، واشتداد الطلب على النفط) مما إضطر منظمة الأوبك إلى اتخاذ قرار بخفض سقف انتاجها بواقع مليون ونصف المليون برميل يومياً، مع أخذ موافقة الدول الرئيسية الأخرى من خارج الأوبك لخفض انتاجها بما مجموعه نصف مليون برميل يومياً. وقد بدا ذلك مع مطلع العام الجديد كاف بالكاد للابقاء على أسعار النفط (وأقصد بذلك غرب تكساس وبرنت) عند مستوى 20 دولار للبرميل.. بل وراجت في حينه بعض التوقعات بأن الدول المنتجة للنفط سوف لن تلتزم بحصصها الجديدة وأنها ستدخل مع دول مثل روسيا في حرب أسعار عندما يقترب فصل الربيع. إلا أن الأمور سرعان ما تبدلت على نحو مذهل نتيجة لعوامل ثلاثة أساسية هي:
1. أن دول الأوبك قد أظهرت في اجتماعها الاستثنائي في الأسبوع الماضي إصراراً على الإبقاء على معدلات الانتاج المنخفضة بقية هذا العام، مع صدور تصريحات عن وزارة الطاقة في روسيا تظهر التزامها هي الأخرى بخفض الانتاج.
2. أن الأرقام الاقتصادية التي صدرت منذ شهر فبراير الماضي قد بدأت تعطي انطباعاً بأن مرحلة الركود الاقتصادي قد أوشكت على الانتهاء وأن الانتعاش بات قريباً بأسرع مما كان في الحسبان.
3. أن الولايات المتحدة قد دشنت منذ بداية شهر مارس الحالي حملة إعلامية ودعائية ضد العراق لاسقاط رئيسه ومنعه من انتاج أسلحة دمار شامل، وتوجت تلك الحملة بجولة نائب الرئيس تشيني في إحدى عشرة دولة من الدول المعنية بالموضوع.
هذه العوامل الثلاثة ساهمت مجتمعة في رفع أسعار النفط بنحو 5 دولارات للبرميل، ورغم أن مثل هذه الزيادة في الأسعار تعد مدعاةً لسرور المنتجين قاطبةً إلا أنها هذه المرة لم تكن كذلك، وهو ما عبر عنه أحد وزراء النفط الخليجيين مؤخراً بالقول إن الارتفاع الراهن يضر باستقرار الأسواق النفطية.
وقد أعلنت وكالة الطاقة الدولية قبل أيام أن علامات التحسن الاقتصادي في الولايات المتحدة لم تحدث أي زيادة في الطلب على النفط، وقامت الوكالة بخفض توقعاتها لنمو الطلب على النفط لهذا العام بنحو 80 ألف برميل يومياً بحيث قد يصل الطلب إلى 76.4 مليون برميل يومياً.
يضاف إلى ذلك أن ارتفاع الأسعار سيكون له آثار سلبية على الانتعاش المرتقب وعلى الطلب على النفط، وسرعان ما ستفاجأ الأسواق بوجود فائض خلال الشهور القادمة خاصة إذا ما استغل بعض المنتجين الفرصة لضخ كميات إضافية للإستفادة من السعر المرتفع.
ثم أن الجولة التي قام بها نائب الرئيس الأمريكي قد أظهرت إجماعاً على رفض ضرب العراق، وتعزز ذلك بمعارضة دول أخرى مثل ألمانيا وتركيا وتنامي معارضة نواب حزب العمال البريطاني لأي مشاركة بريطانية في الضربة. فإذا ما أظهر العراق دبلوماسية مرنة في التصدي لهذه المخططات فإن ذلك سيعني إجهاض المشروع الأمريكي وزوال المخاطر التي تتهدد إمدادات النفط ومن ثم تنخفض الأسعار إلى ما بين 20 – 21 دولار للبرميل قبل شهر مايو القادم.