يضع كثير من المراقبين أيديهم على قلوبهم هذه الأيام مخافة أن تنهار أسعار النفط مثلما حدث بعد إنتهاء حرب الكويت عام 1991م .. ورغم أن الأسعار انخفضت بالفعل بنحو 25% من أعلى مستوى وصلت إليه أثناء الأيام الأولى للحرب ، فإنني أعتقد أنها غير مرشحة للانهيار ، وأنها ستظل متماسكة ضمن الهامش السعري الدي حددته منظمة الأوبك وهو 22 – 28 دولاراً للبرميل ، وذلك للأسباب التالية :
1. أن انقطاع الامدادات العراقية من النفط عن السوق العالمية سيستمر لعدة شهور حتى يمكن إعادة ترتيب الأوضاع من جديد .. والأمر ليس بالسهل ويتطلب أولاً التأكد من انهيار النظام العراقي تماماً وعدم وجود مقاومة ، ومن ثم تأمين حقول النفط ومعالجة ما دمرته الحرب ، وإقرار سلطة جديدة في العراق تكون مخولة بتسويق النفط والبحث عن مشترين له. ويدخل ضمن تعقيدات الموقف تداخل المصالح السابقة للروس والفرنسيين في صناعة النفط العراقية وأطماع الشركات الأمريكية والبريطانية القادمة للسيطرة على تلك الصناعة بهدف انتزاع حصة لها في تلك الوليمة.
2. أن دولاً أخرى منتجة للنفط مثل نيجيريا تشهد قلاقل واضطرابات سياسية حادة تنعكس سلباً على إنتاجها من النفط .. وقد انخفض إنتاج هذا البلد الأفريقي أثناء فترة الحرب على العراق بنسبته 40% مما ساهم في إبقاء الأسعار مرتفعة لبعض الوقت. وفي فنـزويلا لا تزال الأمور مرشحة للانفجار مرة أخرى ، إذ أنه رغم انتهاء الاضراب الذي استمر لأكثر من شهرين ، وعودة الانتاج الفنزويلي إلى سابق عهده عند مستوى 3.2 مليون ب / ي ، إلا أن بقاء الأطراف المتصارعة في الساحة ينذر بتدهور الموقف مرة أخرى إذا ما أعطت الولايات المتحدة الأمريكية الضوء الأخضر للمعارضين لبدء جولة جديدة من الاضرابات لإسقاط الرئيس شافيز.
3. أن سياسة الرئيس الأمريكي بوش القائمة على محاربة الارهاب لن تهدأ بعد انتهاء الحرب على العراق ، بل ستمتد إلى مناطق أخرى رأى فيها الرئيس أنها مراكز شر مثل كوريا الشمالية وإيران ، وربما يضاف إلى القائمة القديمة دول أخرى مثل سوريا – بعد توصيه من حليفه شارون – وفي مثل هذه الأجواء ستبقى إمدادات النفط مرشحة للانقطاع وبالتالي ستبقى الأسعار مرتفعة.
4. أن دول الأوبك التي استفادت من فترة ارتفاع الأسعار وتلك التي زادت من إنتاجها في فترة انقطاع الامدادات من فنـزويلا والعراق سوف لن تمانع من خفض انتاجها ثانية بما يحفظ الأسعار من السقوط .. وتقف السعودية والإمارات في مقدمة هذه الدول. الجدير بالذكر أن سعادة عبدالله بن حمد العطية وزير الطاقة القطري ورئيس الأوبك قد دعى هذا الأسبوع إلى اجتماع طارئ للأوبك في الشهر القادم لدارسة الموقف.
5. أن فائض المعروض من نفط في الأسواق حالياً ليس بالمستوى الذي يهدد أسعار النفط بقوة ، كما أن مستوى المخزونات النفطية التجارية لدى الدول الصناعية كانت مع بداية هذا العام عند مستوى منخفض جداً ، وقد رأينا كيف أن الولايات المتحدة لم تسحب من احتياطيها الاستراتيجي من النفط رغم ارتفاع الأسعار أثناء الحرب إلى نحو 37 دولار للبرميل.
هذه العوامل وغيرها ستُبقي أسعار النفط مستقرة في عام 2003م ، وأن كان من الممكن تصور حدوث تراجع في الأسعار دون مستوى 22 دولار للبرميل لفترة قصيرة نتيجة لعوامل تتعلق بعمليات المضاربة في السوق العالمية ، أو لحدوث أمر طارئ غير متوقع ، كأن تتأخر الأوبك في العودة إلى حصص الإنتاج المعتمدة او أن يحدث إتفاق سريع بين الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا يتم بمقتضاة تقاسم المصالح وتوزيع الأدوار بما لا يؤخر استئناف صادرات النفط العراقية أوما الى ذلك من تطورات .