تفضل الأستاذ الدكتور علي القرة داغي مشكوراً بالإجابة على تساؤلاتي فيما يتعلق بسبل المضاربة في العملات لدى شركة بيت الاستثمار التي ستباشر عملها في شهر فبراير القادم, وقد كان من خلاصة ما قاله الدكتور القرة داغي في هذا الموضوع ما يلي:
1- أن أخذ المارجن margin أي التعامل بمبالغ كبيرة تساوي أضعاف المبلغ المستثمر على سبيل الاقتراض المؤقت , جائز شرعاً بشروط أهمها آلا يكون المارجن بفائدة، وأن يدخل المبلغ المقترض في الحساب ويسجل فيه.
2- أن بيت الاستثمار له محافظ متنوعة وسيبذل كل جهده على ألا يستفيد من المارجن إلا بقدر الضرورة والحاجة.
ورغم شكري الجزيل للأخ القرة داغي على تفضله بالرد إلا أن إجابته لم تكن شافية ولا قاطعة فهي من ناحية أجازت التعامل بالمارجن , وإن وضعت لذلك شروطا يسهل الالتفاف عليها من جانب شركات البورصة العالمية , كما أنها لم تفند الشبهات الموجهة للتعامل بالمارجن والقائمة أساساً على كونه أشبه بالمقامرة .ومن ناحية أخرى أكدت الإجابة أن بيت الاستثمار لن يلجأ ألي المارجن إلا بقدر الضرورة أو الحاجة , وإن كان الشرح المستفيض عن المارجن ومشروعيته قد أعطى انطباعاً بخلاف ذلك وخاصة ما قيل عن مفاوضات مع شركات البورصة من أجل عمل لتجاوز الشبهات.
ولان المستثمرين الراغبين في الحصول على أرباح عالية على أموالهم تزيد كثيراً على عائد الودائع المضمونة لدى البنوك وبما يتناسب مع المخاطر المحدقة بهم والتي قد تصل إلى خسارة ربع الأموال المستثمرة ,, أقول لأن هؤلاء المستثمرين يهمهم أن تكون أرباحهم حلالا زلالاً لا شائبة فيها، فإنني أعيد طرح الموضوع على فضيلته لبيان وجهة نظره في موضوع التعامل بالمارجن لبيان كيف أصبح اليوم جائزاً بعد أن كانت فتاوى الفقهاء بما فيهم فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي تحرم هذه التجارة باعتبار أنها أشبه بالقمار وليس لأنها قائمة على الفوائد فقط . وليسمح لي الدكتور القرة داغي أن أسجل النقاط التالية التي تبرز أوجه الشبه بين التعامل بالمارجن والقمار:
1) أن التعامل بالمارجن قائم على النقد والعملات فقط بدون تجارة حقيقية تنتقل بين الناس فتعم الفائدة منها ، وهي ليست عمليات حقيقية بل دفترية فقط لا تقابض فيها ولا نية عند الطرفين للاستلام أو التسليم…والقمار كذلك.
2) أن التعامل بالمارجن يكون محصوراً بين طرفين اثنين هما المضارب من ناحية ، وشركة العملات في البورصة من ناحية أخرى ، فأنت تبيع لنفس الجهة التي تشتري منها والعكس صحيح، أي تشتري لمن بعت له لتغطية العقود المبرمة ونفس الشيء يحدث في القمار حيث يكون التعامل بين المقامر وشركة القمار.
3) أنه في التعامل بالمارجن وفي القمار .. كليهما يوجد دائماً خاسر مقابل كل رابح ، فالشركة التي تبيع نقداً بيعاً دفترياً لا قبض فيه تكون عند انتهاء الصفقة إما خاسرة لما ربحه المضارب أو رابحة لما خسره .. ونفس الشيء يحدث في القمار حيث يخسر طرف ما ربحه الطرف الآخر.
4) أن التعامل بالمارجن لشراء وبيع العملات يعتمد على خبرة المضارب ومهارته وما لديه من معلومات عن العوامل المؤثرة في حركة الأسعار ، فالمضارب الماهر والمتابع للتطورات والأحداث يمكن أن ينجح في تحقيق أرباح كبيرة ، وإن كان ذلك لا ينجيه من الخسائر ، فقد خسر المضارب الكبير سورس في المضاربة بالين عام 1994 نحو 600 مليون دولار وكان قد ربح ضعف ذلك في المضاربة بالإسترليني عام 1992. وفي القمار يحدث نفس الشيء ، ذلك أن المقامر الماهر يمكن أن يحقق أرباحاً كبيرة ، ولكن ذلك لا يدوم ، ولا بد أن يخسر وان في يوم آخر.
إن الاتجار بالعملات أمر مشروع إذا كان تجارة حقيقية كما تفعل البنوك وشركات الصرافة التي تشتري وتبيع العملات لتغطية حاجات حقيقية للناس ، سواء لدفع قيمة واردات أو فاتورة خدمات أو لتمويل استثمارات بالعملات المختلفة أو للاحتفاظ باحتياطات في مواجهة تقلبات أسعار الصرف .أما شراء العملات لبيعها في نفس اليوم أو خلال مدة قصير جداً وبدون عمليات تسوية حقيقية للمشتريات ، وأن يتم ذلك باستخدام أسلوب المارجن فهو أمر مشكوك في صحته ومشروعيته ، وإذا كان بعض الفقهاء قد عاب على البنوك أنها من اختراع اليهود واعتبروا ذلك سبباً لتحريم الفوائد البنكية ، فماذا يقول هؤلاء اليوم عن مشروعية التعامل مع شركات البورصة التي إما أن تكون شركات يهودية أو بنوك يهيمن عليها اليهود!!
***************
نشرت صحف الأمس كلمة للأستاذ الدكتور علي السالوس بعنوان الثلاثة بالمائة وفوائد البنوك يعلن فيها انتصاره على لجنة الفتوى والرقابة بالمصرف الإسلامي وكيف أنها تراجعت عن قرار سابق لها بجواز أخذ 3% على المسحوبات النقدية بالفيزا ، واغتنم سيادته الفرصة ليشير إلى أن مداخلاتي في الموضوع في حينه كانت بدون وجه حق وأنها جاءت لإثبات أن فوائد البنوك ليست هي الربا المحرم.
وقد تضمن بيان الدكتور السالوس في بعض جوانبه لهجة استعلائية لا تصدر عن عالم مسلم ، فأشار إلى زميله السابق في لجنة الفتوى في أكثر من موضع بأنه تلميذه الصغير وتعمد التقليل من مكانتي بالإشارة إلى أنني من العاملين في مصرف قطر المركزي وأسقط من ذلك لقبي المهني والعلمي كخبير اقتصادي.
وأود أن أؤكد للقراء الأعزاء أن مداخلاتي المشار إليها قد جاءت في إطارها الطبيعي ضمن ما أرصده في زاوية متابعات اقتصادية من تطورات وأحداث .. والبنوك الإسلامية جزء من واقعنا الاقتصادي وليس الحديث عما يجري فيها حكر على طائفة معينة من الناس .. ، بل هو واجب على كل من يعلم.
وإذا كان فتح باب الاجتهاد مطلوباً لمواجهة ما يستجد من أمور ، فإن الاستماع لوجهة النظر الأخرى يصبح ضرورة ليكون الرأي الراجح في قضايانا معبراً عن أغلبية حقيقية ، وبدون ذلك لن تفلح كل قرارات المجامع الفقهية في تغيير الواقع طالما أنها ظلت مبنية على حشد لآراء علماء يمثلون الرأي الواحد ، ولا يقبلون الاستماع لغيرهم من العلماء والخبراء. إن الخطورة فيما يجري تكمن في أن بعض العلماء يعتمدون على المنزلة الرفيعة لهم بين الناس في فرض آرائهم في بعض الموضوعات ، ويسفهون أصحاب الرأي الآخر ، ولم يأخذوا من قول الإمام الشافعي عبرة (رأيي صواب يحتمل الخطأ ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب).
وفي قضايا الاقتصاد المعاصر قد لا يجدي نفعاً أن يتصدى للبحث فيها من درس الفقه فقط ، أو مادة الاقتصاد الإسلامي ، بل لا بد من مشاركة الاقتصاديين من بين المسلمين الثقات باعتبار أنهم ذوو الاختصاص وأهل الذكر في مجالهم لضمان الوصول إلى الرأي الراجح المعبر عن أغلبية حقيقية في كافة المسائل المطروحة.