انهيار العملة التركية: خبر ودلالة

في عام 1990م كان سعر صرف الليرة التركية لا يتجاوز ثلاثة آلاف ليرة لكل دولار ، وعلى مدى سنوات التسعينيات ظل سعر صرف الليرة في تدهور مستمر بفعل الأوضاع الاقتصادية السيئة وارتفاع معدل التضخم إلى مستويات كبيرة تزيد عن 60 بالمائة سنوياً حسب بيانات عام 1999 ، وكان من نتيجة ذلك أن انخفض سعر الصرف إلى مستوى 688 ألف ليرة لكل دولار حتى بداية الأسبوع الماضي .. وفجأة ، وبدون سابق إنذار تراشق رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء الاتهامات بشأن الفساد المالي والإداري ، وتبين أن احتياطيات هذا البلد من العملات الصعبة لم تعد كافية بالقدر الذي يحمي عملتها الوطنية ويدعم سعر صرفها ، فتم الإعلان عن تعويم العملة ، أو تركها لعوامل الطلب والعرض في السوق لتحدد قيمتها ، وخلال يومين اثنين كان سعر صرف الليرة قد تجاوز مستوى المليون ليرة لكل دولار .. أي بانخفاض تزيد نسبته عن 60 بالمائة ..

وخلال الفترة المشار إليها أي التي حدث فيها الانخفاض كانت معدلات الفائدة على الليرة ترتفع إلى مستويات مذهلة ، ووصل المعدل بالنسبة للفترات القصيرة الأجل (ليلة واحدة مثلاً) إلى مستوى 8 بالمائة في اليوم الواحد أو ما يعادل 2900 بالمائة على معدل سنوي ، وهذا الارتفاع الكبير في معدلات الفائدة له ما يبرره من الناحية المالية ، إذا ما قارناه بالانخفاض الكبير في قيمة الليرة والذي زاد عن 20 بالمائة في اليوم الواحد ، وذلك على اعتبار أن ما يتقاضاه صاحب المال كفوائد على أمواله لا يغطي مقدار الانخفاض الذي طرأ على مبلغه الأصلي من جراء تدهور العملة.

والحقيقة أن هذا الارتفاع الشاهق في معدلات الفائدة على الليرة التركية اقتصر فقط على المعدلات قصيرة الأجل ، ولا يمتد أثره إلى المعدلات الأطول لسنة أو ثلاثة شهور ، والتي كانت لا تزال نسبياً منخفضة مع كونها تقترب من مائة بالمائة على معدل سنوي.

****** ****** ******

هذا الارتفاع الكبير في معدلات الفائدة لظروف طارئة لا يحدث إلا في ظروف استثنائية جداً إما مالية واقتصادية كما حدث في دول كالمكسيك وإندونيسيا أو عند اندلاع الحروب والثورات كما حدث في بلدان أخرى مثل لبنان والسودان والعراق ومن قبل في إسرائيل..

وعندما ظهر الإسلام في جزيرة العرب قبل ألف وأربعمائة عام ونيف كان العرب يتداينون بالربا الذي هو الضعف لغة انطلاقاً من قوله سبحانه وتعالى (يمحق الله الربا ويربي الصدقات) ويربي هنا لغة بمعنى يضاعف انطلاقا من الآيات:

· المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضاً حسناً يضاعف لهم..

· من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له.

وان تك حسنة يضاعفها.

وعندما اضطربت قوافل التجارة بتأثير الغزوات وعمليات السرايا الفدائية التي قادها المسلمون ضد تجارة قريش ( وهي الأسباب المباشرة لغزوة بدر وموقعة أحد ) فإن الربا قد تضاعف إلى أضعاف مضاعفة ، وأصبحت أعباؤه ثقيلة جداً ، ولم يكن تحريم الربا قد تم بعد ، فنزلت الآية 130 من آل عمران تنهى عن الربا الفاحش (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة) ، وذلك ضمن السياق العام للآيات التي تحدثت عن مجريات معركة أحد.

مناسبة هذا الكلام هو أن الكثير من الفقهاء يرون أن الكلام عن الأضعاف المضاعفة هو من قبيل التبشيع والمبالغة ليس إلا ، ولم يكن حقيقة واقعة ، وذلك في رأيي غير صحيح ، ولا ينسجم مع النص الصريح والقاطع الدلالة للألفاظ في الآية الكريمة ولا مع السياق العام لمجريات الأحداث في تلك الفترة.