يجد أصحاب الودائع المصرفية أنفسهم في مأزق حقيقي بعد أن انخفضت الفوائد على تلك الودائع إلى مستويات غير مسبوقة . وحتى عام 2000م كان من لديه وديعة مصرفية مائة ألف ريال يتحصل في نهاية العام على عائد يتراوح ما بين 6000 إلى 8000 ريال ، ومن كان لديه مائة ألف دولار يتحصل على ما يقارب 23 ألف ريال في السنة.. وكان هذا العائد يساعد البعض على مواجهة جانب من تكاليف الحياة كرسوم الجامعة للأبناء أو نفقات علاج المرضى ، أو في تغطية مصاريف الاجازة السنوية أو حتى في التبرع والتصدق على أوجه من وجوه الخير الكثيرة.
وقد انخفضت معدلات الفائدة على الودائع ووصلت مع نهاية عام 2001م إلى أدنى مستوى لها في التاريخ القطري ، وفي حين كان البعض يظن أن المعدلات مرشحة للارتفاع في النصف الثاني من العام 2002م ، فإن ما حصل هو العكس حيث تراجعت تلك المعدلات بعد أن خفض مصرف قطر المركزي سعر المصرف عدة مرات خلال الشهور الماضية ليصل السعر إلى 2.20% بدلاً من 2.50%. وهذا التخفيض من جانب المصرف المركزي لا يأتي من فراغ وانما هو نتيجة حتمية لزيادة حجم السيولة المتاحة لدى الجهاز المصرفي.. ولا ننسى أن معدلات الفائدة على الدولار قد هبطت إلى أدنى مستوى لها منذ أكثر من 40 سنة حيث وصل سعر الفائدة الاتحادية للاقتراض بين البنوك في الولايات المتحدة لليلة واحدة إلى مستوى 1.75% منذ نهاية عام 2001م ، وبات من المنتظر حدوث المزيد من التخفيض على هذا المعدل إلى مستوى 1.50% أو أكثر.
وكان الاقتصاد الأمريكي قد تباطأ بشدة في الربع الثاني ونما بمعدل 1.1% على معدل سنوي ، في وقت تدهورت فيه أسعار الأسهم الأمريكية بشدة وتراجعت ثقة المستهلكين إلى المستوى الذي كانت عليه بعد أحداث 11 سبتمبر ، وازداد العجز التجاري الامريكي إلى مستويات غير مسبوقة وانخفض سعر صرف الدولار أمام العملات الرئيسية. ومن هنا عاد الحديث مجدداً عن احتمال اقدام بنك الاحتياط الفيدرالي على اجراء خفض جديد على سعر الفائدة الاتحادية عند انعقاد لجنة السوق المفتوحة مساء أمس الثلاثاء ، وهو اجتماع يحدث لمراجعة السياسة النقدية مرة كل شهرين.
وهذا التخفيض المنتظر على معدلات الفائدة على الدولار لن يحل مشكلة التباطؤ في الاقتصاد الامريكي ، مثلما لم تنجح سياسة الفائدة الصفرية في اليابان لعدة سنوات في اخراج الاقتصاد الياباني من أزمة الركود.وفي حين عانى الاقتصاد الياباني من افلاس آلآف الشركات ومن الديون المعدومة لدى البنوك، فإن الاقتصاد الأمريكي يغرق الان في أزمة من نوع فريد هي أزمة الغش والاحتيال والكذب والتزوير في حسابات الشركات الكبرى ، وفي مثل هذه الظروف لن تنفع حلول السياسات النقدية بمفردها في انعاش الاقتصاد الأمريكي وانما يستلزم الأمر معالجة جذرية لأوضاع يشوبها الفساد وهو ما يستغرق وقتاً أطول.
إن معدلات الفائدة على الودائع ستظل منخفضة في الشهور الستة القادمة على الأقل، وهو ما يعني أن مداخيل الأفراد من تلك الفوائد ستظل متدنية جداً ولا تشفع في شيئ .. ولا يقتصر الأمر في ذلك على البنوك العادية بل يمتد إلى البنوك الاسلامية التي أشتكى أحد عملائها من أن عائد وديعته لا يكاد يكفي لسداد الزكاة المستحقة على الوديعة ، وأن هذا العائد لا يختلف في شئ عن عائد الودائع لدى البنوك التجارية، فرد أحد الموظفين بالقول بأن هذه تعليمات مصرف قطر المركزي. والحقيقة غيرذلك ، حيث أطلق المصرف للبنوك حرية التنافس في موضوع الفوائد ، فكان أن أخذت البنوك الأمر على النحو الذي يناسب مصالحها فخفضت الفوائد على الودائع وأبقت فوائد القروض مرتفعة إلا على من كانت لديه القدرة على المناورة والمساومة.والحقيقة أن قوى السوق لا تخدم في هذا الموضوع إلا البنوك التي هي الطرف الأقوى في جانب القروض ،وتتلاشى قوة المودعين في مواجهة البنوك التي تتمتع بوضع شبه إحتكاري وتساعدها الظروف الدولية على ذلك.
ويبدو من الميزانية العمومية لأحد البنوك لفترة الشهور الستة الأولى من العام 2002م أن ما دفعه البنك للعملاء على ودائعهم قد انخفض إلى نصف ما دفعه في نفس الفترة من العام السابق ..حيث دفع البنك مبلغ 69.9 مليون ريال هذا العام مقابل 138.2 مليون ريال في نفس الفترة من عام 2001م ، وذلك رغم زيادة الودائع لديه إلى 6 مليار ريال مقارنة بـ 4.5 مليار في العام الماضي .. ولم تنخفض متحصلات البنك من فوائد القروض عما حصل عليه في العام الماضي إلا بشكل محدود جداً (226 مليون مقارنة بـ 235 مليون ريال) ، وذلك نظراً لأن معدلات فائدة الاقراض ظلت مرتفعة، وبالنتيجة حقق البنك زيادة في أرباحه الاجمالية بنسبة 59.3% خلال الفترة المشار إليها!!!.
هذه الزيادة الكبيرة في الأرباح غير صحية إذا ما نظرنا إليها من زاوية الاقتصاد القطري بوجه عام لأنها تمت على حساب قطاعات الاقتصاد الأخرى التي دفعت أكثر مما ينبغي فكان أن أعسر الكثير من المقترضين وأضطر البنك المعني لإقتراح تخصيص مبلغ 77 مليون ريال من ارباحه في ستة شهور كمخصص قروض ضعيفة مقابل 100 مليون ريال خصصها لنفس الغاية في عام 2001 ككل ، وللحديث بقية.