بحث مقدم إلى مؤتمر مجمع البحوث الفقهية بالدوحة

تقديم:

قد يكون في انعقاد مجمع البحوث الفقهية في الدوحة هذا الأسبوع فرصة مناسبة لإثارة موضوع الفوائد البنكية الذي اختلفت بشأنه الآراء ما بين محرم لها باعتبارها من الربا ، وما بين محلٍ باعتبارها معاملات حديثة لا علاقة لها بالربا ..
وقد كان من أصحاب الرأي الآخر أُناس ثقات لا يشك أحد في علمهم وإخلاصهم ، ولعل من بينهم فضيلة الشيخ المرحوم محمد الغزالي ، والشيخ عبدالله المشد اللذين أيدا فتوى الشيخ طنطاوي منذ عام 1989 ولحقهم في ذلك عدد كبير من الفقهاء والعلماء منهم عبدالله شحاتة ونصر فريد وأحمد الطيب وآخرون. وانتهى مجمع البحوث بالأزهر الشريف بتاريخ 31/10/2002 إلى إصدار قرار يقضي بأن الفوائد البنكية ليست هي الربا المحرم في القرآن الكريم والسنة المطهرة.والحقيقة أن إبعاد شبهة الربا عن الفوائد البنكية أمر سهل إذا ما راعينا الاعتبارات التالية :
• أولاً : التفرقة بين ربا النسيئة وربا البيوع ، فطالما أننا نتحدث عن ربا النسيئة (أي ربا الأجل ، أو ربا الديون) ، فإن الاستدلال له بفقرات من أحاديث ربا البيوع لا يؤدي إلا إلى إثارة نوع من البلبلة في فهم الموضوع ، ناهيك عن أن مفهوم أحاديث ربا البيوع مختلَف عليها بين الفقهاء ، وأن هناك من الصحابة من يشكك في بعضها أصلاً.
• ثانياً : التسليم بأن تحريم ربا الديون قد تم على مراحل بدأت في مكة بالتنفير منه من خلال الآية 39 في سورة الروم ثم بالتحريم من صورته المضاعفة أضعافاً في السنة الثالثة للهجرة في الآية 130 من سورة آل عمران ، ثم بالتنبيه إلى أن التحريم قادم مثلما تم تحريمه على اليهود كما في الآية 59 من سورة النساء ، ثم بالتحريم النهائي كما في مجموعة الآيات 274 – 279 من سورة البقرة ..
• ثالثاً : التسليم بأن الربا من كبائر المحرمات في الاسلام وأن الله قد بينه للناس بصورة واضحة لا يحتاج معها إلى استنباط أحكام إضافيه لبيانه وتوضيحه.

على ضوء هذه الاعتبارات الثلاث يمكن مناقشة الأدلة التي يستند إليها أصحاب الرأي الأول القائلين بتحريم الفوائد البنكية. ويتضمن هذا البحث الموجز النقاط الأساسية في الموضوع ، على أمل أن يتفضل السادة العلماء بدراستها ومناقشتها في مؤتمرهم الموقر .. والنقاط محل الدراسة هي:

أولاً : كيف استنتج العلماء أن أي زيادة على رأس المال حرام ؟
ثانياً : لماذا يُحرم تحديد العائد على رأس المال مقدماً ؟
ثالثاً : ما هو الربا إن لم يكن في الفوائد البنكية ؟

أولاً : كيف استنتج العلماء أن أي زيادة على رأس المال حرام ؟

استند الرأي القائل بتحريم الفوائد إلى عدة أشياء في محاولة لإثبات أن أي زيادة على رأس المال هي الربا ، وهذه الأشياء هي على النحو التالي :
1. ما ورد في حديث الأصناف الستة : الذهب بالذهب والفضة بالفضة…. والواضح أن الاستدلال بالحديث المذكور فيه خلط بين ربا البيوع وربا النسيئة (أي الأجل) كما سيرد شرحه تالياً. وقد شكك عدد من الصحابة الثقات في هذا الحديث ولم يسمعوا به ومنهم ابن عباس وأسامة بن زيد وعبدالله بن الزبير وزيد بن الأرقم وسعيد بن جبير رضي الله عنهم (أنظر في ذلك صحيح مسلم الجزء الثالث الأحاديث 101 و 102 و 104 وكلها تؤكد قول الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – لا ربا إلا في النسيئة. وقد قال الشيخ محمد أبو زهرة في كتاب خاتم النبيين صفحة 1104 أن ربا البيوع لم يثبت إلا بالأحاديث الواردة فيه وهي أحاديث لا تثبت قطعياً ويقيناً. ومع ذلك لو سلمنا بصحة الحديث ، فإن الاستدلال بما جاء في آخره وهو : من زاد أو استزاد فقد أربى لا يمكن أن يفهم إلا في إطار موضوع التجارة. فالحديث عن الأصناف الستة المشار إليها كان على سبيل الحصر ، والزيادة التي يتحدث عنها الحديث ليست مطلقة وإنما ينصرف معناها إلى الكيل والميزان ، وقد نهى الله عن التلاعب في الموازين والمكاييل كما ورد في سورة المطففين.

2. الاستدلال بالآية 278 من سورة البقرة : يا أيها الذين آمنوا ذروا ما بقي من الربا… في القول بعدم جواز أخذ أي زيادة على رأس المال ، وهذا استدلال يمكن تفنيده ، استناداً لما ورد في كتب التفسير ، وهو أن نفراً من ثقيف وهم من أهل الطائف قد دخلوا الإسلام بعد فتح مكة وكان لهم دين على بني المغيرة من مخزوم ، ولم يتوقفوا عن المطالبة بما تبقى من أقساط ربوية بعد إسلامهم ، فاشتكى بنو المغيرة إلى عامل مكة الذي رفع الأمر إلى الرسول الكريم صلوات الله عليه فنـزلت الآية 278: يا أيها الذين آمنوا ذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ، ويُفهم من الآية أن ذروا ما بقي من الربا تخص العدد القليل من ثقيف المطالبين بما تبقى لهم من أقساط ربوية ، ولا ينصرف معناها إلى أن الربا هو قليل الفائدة. وقد يقول الفقهاء إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص التنـزيل ، وأقول إن الأخذ بعموم اللفظ لا يغير من صحة الإستدلال ، وأن ذروا تظل دالة على ما تبقى من أقساط ربوية لمن يتوب.
3. الاستدلال بما جاء في الآية 279 من سورة البقرة وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تُظلمون ، في القول بعد جواز أخذ أي زيادة على رأس المال ، والحقيقة أن هذا فهم غير صحيح للآية التي جاءت لترشد التائبين بكيفية الخروج من الربا , ذلك أن التائبين من المرابين قد باتوا في حيرة من أمرهم فماذا هم فاعلون بعد التوبة ؟ أيعيدون ما أخذوه من أقساط ربوية ، أم يتوقفون عن أكل الربا ولهم ما قد سلف ؟ فجاء الجواب : لكم رؤوس أموالكم ، وهو حكم يقترن بشرط التوبة عن الربا، ولا يتجاوزه إلى المعاملات الجديدة التي يُفترض خلوها من الربا . ولو كان الله يريد إقرار حكم بعدم جواز أخذ أي زيادة على رأس المال لنص على ذلك صراحة في الآية التالية رقم 282 التي تتحدث عن الدين. فإذا كانت الآية 279 تعالج وضعاً استثنائياً لمن يتوبون فإن الآية 282 تضع أحكاماً جديدة بخصوص التداين. والفهم الصحيح لسياق المعنى في الآيتين يوجب أن يأتي النهي عن أخذ أي زيادة على رأس المال ضمن شروط التداين الجديدة التي أقرها الله في الآية 282 ، لا أن يتم استنتاجه تعسفاً من الآية 279 ، ولكن الله تعالى لحكمة بالغة لم يقرر شيئاً بهذا الخصوص. وسكت عن ذلك كما سكت الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) ، والأصل في الأشياء الاباحة ما لم يكن هناك نص واضح بخلاف ذلك.
4. إن هناك من يحرم أي زيادة على رأس المال استناداً إلى القاعدة التي تقول : كل قرض جر نفعاً فهو ربا، بإعتبار أنها حديث شريف ، وهذا الكلام رغم وضوحه إلا أنه ليس حديثاً ، فقد رواه الحارث بن أبي إمامة وإسناده ساقط – لأن في إسناده سوار بن مصعب الهمذاني وهو متروك – وله شاهد ضعيف عن فضاله بن عبيد البيهقي ، وآخر موقوف عن عبدالله بن سلام. والمؤكد أن هذا الحديث برواياته المختلفة لم يثبت إتصال سنده إلى الرسول الكريم ، فكيف يكون حديثاً وتبنى عليه أحكام هامة ؟
5. وهناك من يستند إلى القاعدة الفقهية التي تقول : ما أسكر كثيره فقليله حرام في تحريم أي زيادة على رأس المال ، وهذا القول مردود عليه بأن القياس في غير محله ، فالقليل من الخمر يؤدي إلى الادمان بعد فترة من الزمن ، أما التعامل بقليل الفوائد ، فإنه لن يؤدي إلى التحول إلى الربا ، لأن البنك الذي يعطي 5% أو 10% سنوياً ، لن يعطي 100% طالما ظل سعر الصرف مستقراً. ثم إن هناك الكثير من الأمور التي نهى الاسلام عن كثيرها وأحل قليلها ، فهو قد نهى عن صيام الدهر وأحل صيام الإثنين والخميس من كل أسبوع ، ونهى عن الزواج بأكثر من أربع وأحل ما دون ذلك ، ونهى عن أكل لحم الخنزير وأباح القليل منه في حالة الضرورة ، ونهى عن أكل مال اليتيم وأباح للوصي أن يأكل القليل منه إذا كان فقيراً.

الخلاصة : إن تحريم أخذ أي زيادة على رأس المال يتنافى مع العدل ، فلو تصورنا أن شخصاً قد اقترض مبلغ عشرة آلاف جنية مصري قبل عامين عندما كان سعر الجنيه يعادل ريالا واحدا تقريباً ، فإن من غير العدل أن يعيدها اليوم كما هي بدون زيادة رغم الانخفاض الشديد الذي طرأ على سعر الجنيه والذي جعل القيمة الفعلية للعشرة آلاف تقل عن 7500 ريال ، ومن الظلم للمقرض أن يستلم أمواله ناقصة في قيمتها الحقيقية تأكيداًً لقوله تعالى : ولا تُظلمون, وهذه المسألة معروفة عند الاقتصاديين باسم تناقص القوة الشرائية للنقود. ولكن هل غابت هذه المسألة عن الشارع الحكيم , بالطبع لا وسأضرب أمثلة لإثبات ذلك:
• أن المولى عز وجل قد جعل الكفارة في آيات الأحكام إطعام مسكين أو مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة , وكلها أمور عينية وليست نقدية بحيث تتناسب مع ظروف المسلمين في كل زمان ومكان .
• أن زكاة الفطر قد حددها الرسول الكريم بصاع من بُر أو تمر أو شعير ولم يحددها نقداً رغم جواز دفعها بالنقد وذلك حتى تكون قيمتها معلومة لأهل كل مدينة .
• وعلى العكس من ذلك , عندما أشارت النصوص القرآنية الى أشياء حدثت في الماضي ولن تتغير قيمتها في المستقبل فإنها ذكرت تلك القيم تحديداً مثل قول الله تعالى: وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين في قصة يوسف عليه السلام , ومثل قوله تعالى: فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاماً.. كما في قصة أهل الكهف.
• في الآية 75 من سورة آل عمران وردت القيمتان النقدية والعينية في آن واحد عندما تحدث القرآن الكريم عن أخلاق أهل الكتاب فقال: ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده اليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده اليك إلا ما دمت عليه قائما فقيمة الدينار تشيرإلى القليل ولا يزيدها مرور الوقت إلا إنخفاضاً كما هو الحال مع الدينار العراقي والسوداني , وأما القنطار فيشير إلى الكثير وهو يظل كذلك في كل زمان ومكان لإن قيمة القنطار سواء أكان قنطارقمح أو قطن أو أي شئ تزداد مع الزمن .وهذه الآيه من الإعجاز القرآني إذ كان المنطق يستلزم استخدام مبلغاً نقدياً كألف دينار بدلاً من القنطار عند المقارنة ولكن الخالق العظيم يعلم أنه سيأتي يوم تنهار فيه قيمة الألف دينار فلا تساوي شيئاً يذكر فاستبدلها بالقنطار . ومن هنا نفهم أن سكوت المولى عز وجل أو الرسول الكريم عن موضوع الزيادة على أنه أمر مقصود حيث ترك لكل مجتمع تحديد ما يناسبه فى هذا الخصوص .
ثانياً : لماذا يُحرم تحديد العائد على رأس المال مقدماً ؟

يرى بعض العلماء أن الفوائد البنكية تستمد حرمتها من عنصر آخر هو تحديد العائد مقدماً ، وقد رد على ذلك علماء آخرون بما في ذلك علماء المجمع الفقهي بالأزهر بأنه لا يوجد في القرآن ولا في السنة ما يمكن أن يستدل منه على تحريم تحديد العائد مقدماً ، وأن القائلين بالتحريم قد استنبطوه من حديث المُزارعة الذي ينهى فيه الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام عن اشتراط أخذ عائد جزء معين من الأرض عند الاستزراع ، مع تدعيم القياس بقول الإمام ابن قدامة (المزارعة مثل المضاربة).
وفي تقديري أن هذا الاستدلال غير مقنع والقياس فيه ضعيف لاختلاف ظروف القرض عن ظروف المزارعة ، ففي المزارعة يكون المزارع مقيداً بعمل واحد هو الفلاحة بينما يتسع المجال أمام المقترض ليتصرف في مال القرض كيفما شاء. وفي المزارعة تتدخل عوامل بيئية ومناخية خارجة عن إرادة المزارع لتؤثر على حجم الانتاج ، ومن هنا نهى الرسول الكريم عن استئثار صاحب الأرض أو المزارع بنصيب معين من عائد الأرض سلفاً حتى لا يلحق الظلم بالطرف الآخر إذا ما أصاب بعض الزرع عارض طارئ أو تفاوتت غلة الأرض ما بين جزء وآخر. ثم إن ابن قدامة ينقل قياسه من المزارعة إلى المضاربة ، وأعمال البنوك كما يقول الفقهاء ليست مضاربة ، فكيف يقبلون بنقل القياس إليها ؟
إن موضوع تحريم الربا من الأمور العظيمة في الإسلام ولا يُعقل أن يترك استنباط حكم أساسي فيه إلى حديث ، وياليته عن الربا بل عن الاستزراع .. أفما كان من الأجدى أن يأتي النهي عن تحديد العائد مقدماً ، صراحةً في أحاديث تحريم الربا ، وهي كثيرة ؟ أم أن سكوت الرسول الكريم (ص) على ذلك كان أمر مقصوداً ؟

ثالثاً : ما هو الربا وأين يوجد ؟

إذا لم تكن فوائد البنوك التقليدية ربا فما هو الربا وأين يوجد ؟
الحقيقة أن الربا موجود في كل المجتمعات ولكنه لا يظهر على السطح وإنما يوجد في الشوارع الخلفية والأحياء الفقيرة ، فحيثما تكون هناك حاجة ماسة للمال ولا يتمكن الشخص من الاقتراض من البنوك – إما لعدم وجود راتب ثابت أو تجارة أو كفيل – فإنه يقع فريسة للمرابين الذين ينتهزون الفرص لاستغلال ذوي الحاجة. أما أعمال البنوك الحديثة فهي خالية من الربا ، ولو تصورنا غير ذلك لكان علينا التسليم بأننا نعيش مخالفة كبيرة للشرع في كل بلاد المسلمين ، ذلك أن حجم الودائع في بنوك قطر على سبيل المثال يزيد عن 44 مليار ريال ويزيد حجم القروض عن 34 مليار ريال. وقد اقترضت قطر عشرات المليارات لتمويل مشروعات التنمية فيها ، وقد بارك الله في تلك المشروعات وطرحت خيراً عميمـاً ، ولو كانت رباً كما يقول الفقهاء لربما محقها الله – لا سمح الله – مثلما توعد المرابين.
تعريف الربا:
الربا لغة هو الزيادة والنماء كما تقول المعاجم اللغوية ، وهذا المعنى قد يبدو في ظاهره صحيحاً ولكنه في الحقيقة غير ذلك ، فالربا نوع من الزيادة ولكن ليس أي زيادة فقد كان لفظ الزيادة معروفاً عند العرب ، وورد في القرآن الكريم 61 مرة ، ولو أن يربي بمعنى يزيد لقال الله تعالى في سورة البقرة : يمحق الله الربا ويزيد الصدقات بدلاً من يربي الصدقات ، أو أن يقول : أخذناه أخذة زائدة بدلاً من أخذة رابية كما في قصة فرعون مع موسى علية السلام ، أو يقول : أن تكون أمة هي أزيد من أمة بدلاً من أربى من أمة كما في سورة النحل ، ولكن الله سبحانه وتعالى استخدم دائماً اللفظ الأقوى في يربي ورابية وأربى للتعبير عن ارتفاع القيمة او هول الموقف. فمن أين استدل الفقهاء إذاً على أن الزيادة هي الربا؟
يقول العرب في تعريف ربا الجاهلية بأن الرجل كان يُقرض شخصاً مبلغاً من المال لأجل ، فإذا جاء الموعد قال له تقضي أم تربي ، فإذا لم يقض زاده في الدين مقابل زيادة الأجل ، ومن هنا فهم الفقهاء أن الزيادة هي الربا وهذا غير صحيح. ولكي نوضح ذلك نعطي مثالاً حسابياً :
نفرض أن مبلغ الدين 100 ريال ، وأن موعد السداد كان بعد شهر ، وفي الموعد تقرر التأجيل مقابل فائدة ربوية 240% سنوياً أو ما يعادل 20% شهرياً أي 20 ريالاً شهرياً ، فيكون مبلغ ال20 ريالاً زيادة على أصل المائة ، فالمقترض يدفع 20 ريالاً كلما أراد تأخير السداد شهراً آخر ، فإذا ما تأخر سنة كاملة فإنه يدفع 240 ريالاً ، ويبقى رأس المال المائة على حاله ، وإذا استمر الحال 4 سنوات أو أكثر فإن الربا مع رأس المال يزيد عن ال1000 ريال. فالدفعة الواحدة التي هي 20 ريالاً شهرياً تسمى زيادة لأنها جزء من أصل القرض ، وأما مجموع الدفعات في سنة فهو الربا ، وهذا ما قاله ابن القيم في أعلام الموقعين من أن المائة حالة في ربا الجاهلية كانت تصير عدة آلاف مؤلفة ، وأما الدفعة الشهرية فهي زيادة ولا تشكل رباً بمفردها ، ولهذا قالوا زاد في الدين ولم يقولوا ربا في الدين.
وإذا لم يكن الربا هو الزيادة ، فما هو إذاً ؟
قد أعطانا الله مفتاحاً لفهم الكلمة ، فقال في سورة البقرة : يمحق الله الربا ويربي الصدقات ، وقال في سورة الحديد : المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضاً حسناً يضاعف لهم ولهم أجر كريم ، وقال أيضاً : وإن تك حسنة (أي صدقة) يضاعفها ويؤتي من لدنه أجراً عظيماً ، وقال أيضاً : من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة. ونفهم من ذلك أن يربي بمعنى يضاعف ، وقد تأكدت العلاقة بين الربا والمضاعفة من الآتي :
• في سورة الروم يقارن المولى عز وجل بين آكل الربا الذي يتضاعف أمواله في أموال الناس ، ومؤتي الزكاة الذي يتضاعف ثوابه عند الله ، ويقول أولئك هم المضعفون أو المقبول عملهم في وصف النوع الثاني.
• في سورة آل عمران الآية 130 نهي واضح ومباشر عن أكل الربا أضعافاً مضاعفة ، وقد قيل إن ذلك من باب المبالغة والتبشيع ، واستكثر الفقهاء أن يكون الربا قد تضاعف في فترة من الفترات إلى أضعافٍ مضاعفة. وأقول رداً على ذلك أنه لو فهم العباس أن النهي عن الأضعاف المضاعفة لا يطابق واقع رباه ، لحاجج الرسول الكريم ، ولربما قال : إن ربانا كذا وليس كذا ولكنه لم يعترض . وفي آيات التحريم يكون التبشيع لاحقاً للمنهي عنه مثل:ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً ، وفي آية أخرى : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلا.
ثم إن الربا قد رَبَا في فترة نزول هذا الآية ، وهي الفترة التي حدثت فيها غزوة أُحد وأصبح أضعافاً مضاعفة نتيجة ملاحقة المسلمين لقوافل قريش ، فاضطربت المعاملات المالية وازداد خوف الناس على أموالهم مما أدى إلى ارتفاع معدلات الربا ، وهو أمر مألوف ونشاهده هذه الأيام في الدول التي تقوم بها حروب ، أو تصيبها كوارث ، وقد حدث في ربيع عام 2001م أن ارتفع معدل الفائدة على الليرة التركية إلى 2000% سنوياً أو 8% يومياً في الفترة التي تدهورت فيها الليرة التركية إلى نصف سعرها في أسبوع واحد.
ويقول بعض الفقهاء في فهم الآية 130 من سورة آل عمران إن فوائد الدين تتراكم شهراً بعد شهر حتى تصبح أضعافاً مضاعفة ، وهذا الكلام غير صحيح لأن الفوائد بشكلها الحالي لا تتضاعف مرة واحدة إلا في سنوات عديدة بإفتراض بقاء الدين على حاله وعدم سداد أي قسط. ومنهم من يرى أن أضعافاً في اللغة هي حال الربا ، وبالتالي يفهمون أن التضاعف في الربا يحدث منذ القسط الثاني ، فالفائدة الثانية تكون مثل الأولى أي ضعفها وهكذا تتضاعف الفوائد شهراً بعد شهر ، وهذا فهم سقيم لمعنى الأضعاف في الآية لأنه لو صح ذلك لكان معناه أن الله قد حرم الربا منذ السنة الثالثة للهجرة بعد نزول الآية 130 من آل عمران ، وهو ما لم يقل أحد بحدوثه.
وهكذا ، يتضح من جملة ما سبق أن يربي بمعنى يضاعف ، وهي تشير إلى ارتفاع كبير في القيمة ، أما الزيادة فتدل على ارتفاع محدود في القيمة وهذا ما يمكن فهمه من كل الآيات التي ورد فيها لفظ الزيادة ، ومنها في سورة الكهف : ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعة ، هنا التسعة تعادل 3% من الأصل ، وفي سورة الصافات يقول الله تعالى : وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون ، حيث الزيادة السكانية 3 أو 4% سنوياً ، وفي سورة يوسف : ونمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ، الزيادة هنا بعير واحد على تسعة كانت لإخوة يوسف أي واحد من تسعة وتعادل 11%. ويمكن أن يستخدم لفظ الزيادة في حالة الضعف الواحد فقط ، مثل : قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذاباً ضعفاً في النار ، وإذا ارتفعت القيمة أكثر من ذلك نتوقف عن استخدام لفظ الزيادة ونكتفي بلفظ المضاعفة مثل : يضاعف لها العذاب ضعفين و يضاعفه له أضعافاً كثيرةً…إلخ. ولقد وردت كلمة يربي في الأحاديث بمعنى يضاعف ، مثل : فلا والله ما أكلنا من لقمة إلا وقد ربا ما تحتها ، أي تضاعف الطعام القليل ليكفي العدد الكبير ، وفي حديث آخر وإن صدقة أحدكم يضعها في يد الفقير فيربيها الله كما يربي أحدكم فلوه حتى تصبح يوم القيامة على قدر جبل أحد.

فإذا ما سلمنا بأن يربي بمعنى يضاعف ، فإن الربا يكون بذلك مختلفاً تماماً عن الفائدة البنكية المعاصرة ، وبالتالي تنتفي شبهة الربا عن أعمال البنوك التجارية ، والله أعلم.