هل يتوقف العلماء عند الرأي الآخر لمناقشته ؟

من المتوقع أن يناقش مجمع البحوث الفقهية بالدوحة هذا اليوم موضوع الفوائد البنكية على ضوء القرار الصادر عن مجمع الأزهر وكذا تصريحات الشيخ علي الهاشمي المستشار الديني لسمو الشيخ زايد بن سلطان بشأن عدم ربوية الفوائد البنكية. وقد أضافت سكرتارية المؤتمر إلى ملف الموضوع بحثاً من عندي يؤيد وجهة نظر الأزهر والشيخ الهاشمي ، وإن كان يقوم على استدلالات وتأويلات ومفاهيم مختلفة مع تفنيد المفاهيم التي يستند إليها الرأي القائل بحرمة الفوائد البنكية. وأرجو أن يتسع صدر العلماء الأفاضل لمناقشة الموضوع وألآ يصادروا ما جاء فيه بذريعة أن المجامع الفقهية قد أجمعت من قبل على تحريم الموضوع. فما دام هنالك من يرى أن الفوائد ليست ربا ، فإجماع الأمة غير قائم – وهولم يقم في يوم من الأيام – كما يقول بذلك علماء الأصول ، وما حدث في مؤتمرات المجامع السابقة هو اتفاق جماعة من العلماء الذين لا يمثلون بالضرورة رأي عامة الفقهاء والعلماء من المسلمين في كل مكان . وأرجو أن يتنبه العلماء الى حقيقة أن الاجتهاد في هذا الموضوع لم يغلق عند الفكر الذي يقضي بتحريم الفوائد البنكية ، كما قال بذلك العالم الجليل الشيخ محمد الغزالي رحمه الله عام 1992 تعليقاُ على النسخه الاولى من هذا البحث وانما هو مفتوح لمن يستطيع أن يقدم الدليل والحجة على ما يقول. ويركز البحث المقدم للمجمع على النقاط التالية:
1- إن ربا النسيئة أو ربا الدين أو الربا الجاهلي حرام ، وحرمته قطعية الورود وقطعية الدلالة بنصوص من القرآن الكريم وبنصوص من السنة النبوية المطهرة.
2- إن ربا النسيئة يختلف عن ربا البيوع الذي ورد في بعض أحاديث الآحاد فقط ، وهي أحاديث ظنية الدلالة فقط ، فضلاً عن أنها تخالف الحديث الصحيح الذي يؤكد قول النبي الكريم صلوات الله عليه (( إنما الربا في النسيئة )). وكان ابن عباس يفتي حتى موته بأنه لا ربا إلا في النسيئة ، أي لا ربا إلا في الربا الجاهلي استناداً إلى ذلك الحديث.
3- إنه لإجل ما تقدم في (1) و (2) فإن من غير المنطقي ترك البحث في آيات الربا الواردة في القرآن الكريم والاستناد إلى أحاديث ربا البيوع في تحديد تعريف الربا على أنه أي زيادة على رأس المال دون عوض يقابلها.
ومن يتأمل آيات أحكام الربا في القرآن الكريم سيجد أنها بالغة الدلالة في تعريف الربا على أنه الضعف. ويتضح ذلك من آية الربا في سورة الروم التي تقول (( أولئك هم المضعفون )) عند مقارنة من يتضاعف ثوابه عند الله ومن تتضاعف أمواله في أموال الناس. وفي الآية 130 من سورة آل عمران نص صريح (( لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة )) حيث كان الربا المضاعف هو واقع الحال في السنة الثالثة للهجرة عندما اضطربت أمور التجارة بسبب الغزوات . ويتضمن البحث براهين من القرآن والسنة على أن مفهوم الزيادة يختلف عن المضاعفة التي هي عين الربا.
4- إن علة تحريم الربا هي الظلم الذي ينتج عن أخذ ضعف رأس المال أو أكثر في سنة وهو ما يؤدي إلى اضطراب المعاملات ويورد الناس موارد الهلاك. ولقد اقترن النهي عن أكل الربا بالدعوة إلى تقوى الله ، وهي كلمات تقال لمن يأت ظلماً ، فهل من قائل اليوم بأن في المعاملات البنكية الحديثة أي نوع من الظلم الفاحش الذي كان ينتج عن أكل ربا الجاهلية؟
5- إن آية (( فإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم )) التي فهمها الفقهاء على أنها دالة على عدم جواز أخذ أي زيادة على رأس المال، يمكن أن تفهم على نحو آخر : ذلك أن عبارة (( فلكم رؤوس أموالكم )) قائمة على شرط التوبة ، وهي تمثل حلاً لإشكالية تسوية ما تبقى من أقساط ربوية بعد التوبة ، ولكنها لا تفيد بما هو أكثر من ذلك ، أي أنها كما يقول علماء الأصول خاصة بمن يتوب ، ومما يؤكد هذ الفهم أن الآية 282 من سورة البقرة المعروفة بآية الدين قد جاءت بعد ذلك لتحدد شروط التداين ، فلم تتضمن أي حكم بشأن الزيادة على رأس المال. ولأن مثل هذه الزيادة هي التي تجعل الدين ربوياً – وفقاً لرأي بعض الفقهاء – فإن النص على عدم الزيادة في الآية 282 كان ضرورياً لتحديد الحكم بوضوح ، نظراً لأن الربا من كبائر المحرمات وعواقبه وخيمة. وقد بينت في البحث المعروض على المجمع أن سكوت المولى عز وجل عن موضوع الزيادة كان مقصوداً لرفع الحرج عن المقرضين الذين كانوا سيُظلمون إذا ما أدى انخفاض القوة الشرائية للنقود إلى تدهور قيمة نقودهم بفعل التضخم.
إن موضوع الفوائد البنكية لا يمكن أن يناقش في عجالة أو في جلسة واحد من جلسات مؤتمر حفل بالعديد من القضايا الساخنة ، ولابد أن يخصص له مؤتمرات أخرى كي تعطيه حقه من الدراسة والمناقشة ، ولهذا ، وأياً كان القرار الذي سيصدر عن المؤتمر بشأن الفوائد البنكية ، فإن إثارة الموضوع لن تتوقف ، وسيظل أصحاب الرأي الآخر عند موقفهم المعارض لتحريم الفوائد طالما لم يتوقف الفقهاء عند تلك الآراء لمناقشتها ودحضها إن لم تكن سليمة.