أرباح البنوك بين المعقول واللامعقول

أن تنمو أرباح أي بنك بنسبة 15-25% سنوياً فذلك أمر متوقع إذا ما تصورنا الزيادة المحتملة في حجم الودائع وعمليات الائتمان والأنشطة الاستثمارية ، وفي إمكانية حدوث خفض ملموس في مصروفات البنك على ضوء التطوير المستمر للتكنولوجيا المصرفية. ولكن أن يحقق أي بنك زيادة في أرباحه بأكثر من ذلك وبنسب قد تزيد عن 50% في سنة واحدة ، وأن يكون ذلك بعد زيادات كبيرة في السنة السابقة أيضاً ، فذلك ما لا يمكن تصور حدوثه في ظل الظروف الاعتيادية للتشغيل ، ويشير إلى أن هنالك خلل واضح في آلية عمل البنك كوسيط بين المودعين والمقترضين. وهذه الزيادة الكبيرة في أرباح سنة واحدة قد يكون لها آثار طيبة على المساهمين الذين يتمكنون من الحصول على أرباح نقدية مرتفعة غير متاحة لمجالات الاستثمار الأخرى ، فضلاً عن حدوث نمو كبير في القيمة الرأسمالية لأسهمهم تصل نسبته في بعض الحالات إلى 80% مما كانت عليه عند بداية العام. هذا الجانب الإيجابي للظاهرة يخفي في طياتة سلبيات كثيرة لا بد من أن نأخذها بعين الاعتبار ونحن نقيم نتائج اعمال البنوك ، ومن هذه السلبيات ما يلي
أولاً: أن الزيادة في الأرباح – أو جزء كبير منها على الأقل- يكون نتيجة لارتفاع كبير في معدلات فائدة الاقراض بالمقارنة بمعدلات الفائدة على الودائع, وهو يعني أن البنك قد حصل على عوائد إضافية من الناس.
ثانياً: أن هذه المعدلات المرتفعة للإقراض تضعف من معدلات نمو أنشطة القطاع الخاص وتثقلها بأقساط ديون إضافية قد تكون سبباً في إعسار الكثير منها.
ثالثاً: أن الارتفاع الكبير في أسعار أسهم البنك قد يتحول إلى تدهور إذا ما تبدلت الظروف بشكل مفاجئ ، وأنا لا أتحدث هنا عن الأمور السياسية ، ولكن أشير إلى الاعتبارات الاقتصادية فقط ، فمن شأن تغير الظروف أن تقلص قدرة أي بنك على تحقيق أرباح كبيرة ومن ثم يصبح السعر المرتفع للسهم عبئاً لا تتحمله العلاقة بين عائد السهم وقيمته السوقية فيحدث تراجع وربما انهيار في قيمة السهم في فترات لاحقه ، وذلك ما حدث مثيل له في سنوات سابقة.
رابعاً: أن الأرباح الاستثنائية التي تجنيها البنوك الآن تعمل باتجاه الضغط لإنشاء بنوك قطرية جديدة أو لافتتاح فروع لبنوك أجنبية أو عربية أو خليجية ، وذلك ما ينعكس سلباً على أنشطة البنوك القائمة حالياً والتي سرعان ما ستجد من يقاسمها الكعكة في السنوات القادمة ، خاصة في ظل اتساع دائرة الانفتاح على العالم.
خامساً: أن الأرباح الاستثنائية لأي بنك تُضعف من اندفاعه نحو التطوير والعمل على الحد من مصاريف التشغيل لرفع كفاءة العمل المصرفي بالبنك ، وذلك أمر له خطورته خاصة إذا ما تنبهنا إلى الطبيعة الاستثنائية للأرباح الكبيرة المتحققة حالياً.
الخلاصة :
ليس من الطبيعي أن تحقق البنوك قفزات كبيرة في مستويات أرباحها ما بين سنة وأخرى ، وإنما الطبيعي أن تكون هنالك مستويات مستقرة لنمو الأرباح. ولكي يتحقق ذلك لا بد أن تراجع البنوك المحلية سياساتها الإئتمانية ، وأن تعمل على خفض معدلات الفائدة على القروض (أو التمويل) إلى المستويات الطبيعية التي تكفل دوران المال في المجتمع بطريقة عادلة ، بحيث يحصل كل طرف على نصيبه العادل من هذه الدورة وبما يكفل نموالأنشطة الاقتصادية بشكل مضطرد سنة بعد أخرى.وإذا لم يتحقق ذلك فإن البنوك قد تواجه في المستقبل القريب عواقب بعض سياساتها الإئتمانية الراهنة.