عندما تشير البيانات الاقتصادية إلى ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي في دولة قطر عام 2003 بنسبة 8.9%، فذاك يعني الكثير للاقتصاديين، ولكنه لا يعني شيئاً لرجل الشارع العادي إذا لم يلمس على الأرض ما يترجم هذه الأرقام إلى أشياء ملموسة من قبيل زيادة الدخل للعاملين وإيجاد وظائف للعاطلين. والزيادة في الدخل قد تأتي لبعض الناس خاصة دون غيرهم نتيجة ترقية في العمل أو كمكافأة على عمل أضافي، أو أنها تكون نتيجة لزيادات عامة اقتضاها الارتفاع في تكاليف المعيشة ما بين سنة وأخرى. وتشير التقديرات المتاحة عن الأسعار في عام 2003 إلى أن هناك زيادة ملموسة قد طرأت على المؤشر العام لأسعار المستهلكين بنسبة 2.5% حتى منتصف العام، وبأكثر من ذلك حتى نهاية العام. وهذه النسبة قد تبدو محدودة وتتمشى مع المستويات السائدة في الدول المتقدمة ولكنها مع ذلك تزيد كثيراً عن معدلات التضخم للسنوات السابقة. كما أن هذه النسبة المتوسطة تبدو مضللة لتفاوتها ما بين شريحة وأخرى من فئات المستهلكين، فمن كان يسكن في بيته أو على حساب جهة العمل فإنه، لم يلحظ التغير الذي لحق بالإيجارات، ومن لم تكن لديه مصاريف تعليم جامعية لعدد من الأبناء والبنات، أو لم يكن بحاجة للعلاج في المستشفيات، فإنه لا يلحظ الزيادة في تكاليف المعيشة من جراء هذا وذاك.
على إنه إذا كان من الممكن مواجهة الزيادة في تكاليف المعيشة عن طريق مراجعة الحسابات وضغط المصروفات، فإن الأمر يبدو صعباً على النفس إذا لم يجد المرء عملاً مناسباً يساهم به في خدمة المجتمع ويحقق له ذاته وكرامته. ولو كانت الظروف غير مواتية من حيث تراجع الناتج المحلي الإجمالي أو تضاؤل فرص العمل بوجه عام، لوجدنا لأنفسنا أعذاراً في تقبل فكرة تخلف الوظائف عن معدل النمو، ولكن أن يحقق الناتج الإجمالي نمواً بمعدل 8.9% ويظل هناك أُناس يبحثون عن عمل، فذلك أمر غير طبيعي ويحتاج إلى وقفة أو مراجعة. والوقفة قد تكون من وزير الاقتصاد الجديد الذي نبارك له بالمنصب، وندعوه كي يشمر عن ساعديه لتحقيق موائمة تبدو مطلوبة وملحة بين معدلات النمو وقدرة المجتمع على إيجاد فرص عمل جديدة لكل المقيمين في قطر. والوقفة مطلوبة أيضاً من أصحاب الشركات العائلية الذين يبحثون في مؤتمرهم منذ أمس الأول وحتى اليوم عن مستقبل شركاتهم في ظل عالمٍ متغير. ونرجو أن نسمع أن هذه الشركات قد قررت أن تعطي الأولوية في وظائفها للقطريين والمقيمين في البلاد قبل التفكير في التعاقد على موظفين جدد من الخارج. وهذا الأمر يبدو لازماً وضرورياً كيما يتولد في قطر مجتمع قادر في يوم من الأيام على تلبية احتياجاته من القوى العاملة ذاتياً.
لقد أطلق الأستاذ الداعية عمرو خالد دعوة مخلصة لكل القادرين على الإبداع من أمتنا كي يساهموا بجهد خلاق في صنع الحياة، ويسعدني أن أضم صوتي لصوته، وأن أطالب كل من لديه مال أو فكر أو جاه، أن يوظف جانباً منه في خدمة الأمة، وأن لا يحصر كل تفكيره فقط في البحث عن أفضل الطرق لمضاعفة ثروته. لقد قرأت قبل سنوات قصة نجاح رجل من بنجلاديش فكر في إنقاذ ملايين العمال من أصحاب الحرف اليدوية في ريف بلاده من سطوة المرابين الذين يمتصون عرقهم وجهدهم، فقرر إنشاء بنك تقوم فكرته على توظيف عدد كبير من الموظفين لكي يصلوا إلى العمال في أماكن تواجدهم، فيقدموا لهم قروضاً بدون ضمانات وبفوائد عادية ميسرة تعينهم على شراء ما يحتاجونه من مواد خام لصناعاتهم، وقبل نهاية الأسبوع يعودون إليهم لاسترداد أصل القرض وفوائده القليلة. وقد نجح البنك نجاحاً عظيما لأنه يأخذ دراهم معدودة من كل عامل ويتركه يهنأ بباقي دخله، فارتفعت موجودا ت البنك إلى أكثر من 24 مليار دولار في سنوات قليلة. وفي قطر نحن بحاجة إلى إنشاء مؤسسة كبيرة ترعى الخريجين وتوفر لهم فرص التدريب على أعمال مختلفة وتساعد المتميز منهم بعد ذلك في الالتحاق بوظائف مناسبة في الشركات والمؤسسات. إن مثل هذا العمل العظيم يتفق مع منطق التراحم في ديننا الإسلامي الحنيف، وينسجم مع حديث الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.