ما بين ندوة اتحاد المصارف في الدوحة وندوة الاستثمار في لندن

تعتبر الندوات العلمية وسيلة هامة لتطوير الكوادر البشرية وتنمية قدراتها في مجالات عملها المختلفة، أو لمناقشة قضايا ومشاكل مستحدثة أو للتمهيد لإجراء أبحاث ودراسات متعمقة في وقت لاحق. وبقدر ما يتم الإعداد جيداً لمثل هذه الندوات والمؤتمرات بقدر ما يتحقق لها النجاح. ويتضمن الإعداد الجيد ضمن أمور أخرى؛ تحديد الهدف من الندوة أو المؤتمر والغايات المرجوة منها، والمشاكل المراد معالجتها وإيجاد حلول لها، والفئات المستهدفة بالتدريب ومستوياتها العلمية وقدراتها على الاستيعاب. كما يتضمن الإعداد الجيد؛ حُسن اختيار المحاضرين من بين الكفاءات المشهود لها بالخبرة والقدرة على توصيل المعلومة بيسر وسهولة. ولقد عُقدت بفندق الواحة هذا الأسبوع وعلى مدى ثلاثة أيام واحدة من الندوات الهامة في مجال العمل المصرفي تحت عنوان: الرقابة المصرفية في ظل عصر الصيرفة الإلكترونية. ويعد موضوع الندوة واحداً من الموضوعات الهامة للعاملين في مجال البنوك بوجه عام وفي البنوك المركزية بوجه خاص، وقد أحسن مصرف قطر المركزي صنعاً بترتيب عقد هذه الندوة بالتعاون مع اتحاد المصارف العربية، وذلك لسببين الأول: تعاظم التطبيقات الإلكترونية في مجال الخدمات المصرفية وتنوعها وما يفرضه ذلك من تحديات تتمثل في اتساع دائرة المخاطر التي تتعرض لها البنوك وضرورة البحث لها عن حلول. والثاني: أن المفاهيم المستخدمة في الرقابة المصرفية وأساليب عملها قد طرأت عليها تغيرات جذرية في ظل عصر العولمة، الذي يتجه العالم فيه نحو التقارب في النظم والمعايير المستخدمة، وما يستلزمه ذلك من ضرورة إطلاع العاملين في هذا المجال على مثل هذه التغيرات .
ولقد كانت الندوة ناجحة، من حيث اختيار الموضوع والمشاركين فيها، إضافة إلى حُسن اختيار المحاضرين. ولقد شهد الجميع بكفاءة المحاضر الأول الأستاذ الدكتور سمير محمد الشاهد المدير التنفيذي بالبنك المركزي المصري، وبراعته في تبسيط المادة للحاضرين على مدى يومين كاملين.
ورغم أن الموضوع كان يحتاج لشرحه إلى أسبوع كامل على الأقل، إلا أن المحاضر استطاع أن يوجز المادة بشكل جيد وأن يلفت الانتباه إلى أهميتها. وقد ركز المحاضر على أهمية أن يكون العاملون في مجال الرقابة المصرفية بالبنوك المركزية على مستوى مهني متطور، وأن يكونوا مستوعبين تماماً للتغيرات الجديدة القادمة مع مقررات لجنة بازل2، وألا يكون فهمهم لتلك المقررات والتوصيات بأقل من فهم نظرائهم العاملين في البنوك لها. ولقد كشفت الندوة للحاضرين عن عُمق التغيرات التي جاءت بها رياح بازل2 والعولمة، ولا عجب لهذا أن تقوم بعض البنوك بعقد ندوات خاصة لموظفيها حول هذا الموضوع، من أجل تعميم الفائدة على أكبر عدد منهم. وقد تصادف وجود الدكتور نبيل حشاد في الدوحة لإلقاء محاضرات عن نفس الموضوع مع البنك الدولي الإسلامي، فاستضافه مصرف قطر المركزي وطلب منه إلقاء محاضرة على موظفي المصرف عن ملامح بازل 2 ، وأهم ما تضمنته من نقاط عن الرقابة المصرفية.
وإذا كانت الندوات العلمية ضرورية لمواكبة كل ما هو جديد، فإن بعض الندوات والمؤتمرات الأخرى مهمة في تحقيق أغراض أخرى من بينها الترويج لسلعة معينة، كما هو متوقع من المؤتمر العالمي للغاز المسال الذي سيعُقد هذا العام في الدوحة يوم 18 مارس الحالي، أو الترويج للاستثمار في بلد ما، كما هو الهدف من مؤتمر الاستثمار في قطر الذي يُعقد حالياً في لندن بمشاركة قوية من أعلى المستويات الإقتصادية في قطر. وأهمية مثل هذه المؤتمرات الترويجية في أنها تكون مرآة صادقة لمستقبل قطر الاقتصادي، ومن أراد أن يتعرف على ملامح هذا المستقبل فإن عليه التدقيق في كل ما يقال في تلك المؤتمرات وما قد يُسفر عنها من نتائج وتوصيات.
وما بين ندوة اتحاد المصارف العربية في الدوحة وندوة الاستثمار في قطر المنعقدة في لندن يوجد شيء واحد مشترك هو العمل من أجل مستقبل واعد لهذا البلد.