يمكن القول بكثير من الثقة إن أسواق النفط العالمية قد دخلت هذا العام في أزمة حقيقية سيكون لها نتائج خطيرة على الوضع الاقتصادي العالمي، وتتمثل هذه الأزمة في ارتفاع أسعار النفط قريباً من أعلى مستوى لها على مدى التاريخ، مع كون هذا الارتفاع قابل للاستمرار بل والزيادة في الشهور القادمة، بحيث قد يتجاوز سعر نفط غرب تكساس الخمسة وأربعين دولاراً للبرميل، في حين يرتفع السعر المتوسط لسلة خامات الأوبك إلى نحو 40 دولاراً للبرميل. وهذه التنبؤات تقوم على استقراء موازين العرض والطلب على النفط من ناحية، وعلى تحليل لمختلف العوامل الأخرى التي تؤثر عادة في تلك الموازين من ناحية أخرى.
فمن حيث معدلات الإنتاج نجد أن جميع الدول المنتجة للنفط باستثناء السعودية والكويت والإمارات تنتج بأقصى ما لديها من طاقة، وما يوجد من طاقات انتاجية فائضة في منطقة الخليج لا يزيد عن 8% من إجمالي الطاقة الإجمالية لدول الأوبك. ثم إن معظم مناطق انتاج النفط في العالم غير مستقرة بدرجة أو بأخرى، بما يزيد القلق العالمي بشأن استمرار تدفق الإمدادات، ونشير في ذلك إلى اشتعال المقاومة ضد الاحتلال في العراق، وتصاعد أعمال التفجيرات في السعودية، وتأزم الأوضاع العرقية في نيجيريا وعدم استقرار الوضع في فنزويلا.
وفي المقابل نجد أن الطلب العالمي على النفط قد تجاوز الثمانين مليون برميل يومياً، وهو مرشح للارتفاع بشكل مستمر وبمعدل يصل إلى مليون ب/ي سنويا، نتيجة النمو الاقتصادي القوي في الصين والولايات المتحدة واليابان وانتعاش الاقتصاد الأوروبي. ورغم أن دول الأوبك في مجموعها كانت تتجاوز السقف المعلن لانتاجها لأكثر من سنة، للتعويض عن غياب النفط العراقي كلياً ثم جزئياً، إلا أن مستويات المخزونات العالمية والأمريكية منها على وجه الخصوص لا تزال منخفضة. وقد رفض الرئيس بوش حتى الآن السحب من مخزون النفط الاستراتيجي الأمريكي، مما ساهم في بقاء الأسعار مرتفعة. وتنتظر الأسواق الآن ما سيقرره الاجتماع الوزاري للأوبك في الأسبوع القادم بشأن الاقتراح السعودي بزيادة انتاج الدول الأعضاء بنحو 2 مليون برميل يومياً، وقد يؤدي إقرار المنظمة لهذا الإقتراح إلى تهدئة الأسواق بعض الشيء وإلى انخفاض الأسعار، بنحو أربعة أو خمسة دولارات للبرميل. ولكن زيادة الانتاج إلى الطاقة القصوى يعني ضمناً زيادة حساسية الأسواق العالمية للنفط لأي انقطاع مفاجئ في الإمدادات، وحرص المستهلكين على زيادة ما لديهم من مخزونات بدلاً من السحب منها، واستعدادهم لدفع ثمن أعلى في برميل النفط.
وعلى ذلك ، وبالنظر إلى أن موسم الربيع الذي تهبط فيه الأسعار في العادة قد أوشك على الانتهاء دون أن تنخفض الأسعار، لذا فإن من المتوقع أن تظل أسعار النفط مرتفعة وأن يشتد ارتفاعها في موسم الخريف، بحيث تصل إلى مستويات قياسية جديدة كما أشرنا خاصة إذا ما ازداد الوضع السياسي تعقيداً في منطقة الشرق الأوسط. وسيكون لذلك مضامين اقتصادية مؤثرة في الشهور القادمة، وأول ما يخطر على البال أن الولايات المتحدة التي تستورد نصف استهلاكها من النفط أو ما يزيد عن 9 مليون برميل يومياً سوف تزداد قيمة فاتورتها النفطية، ويزداد بالتالي العجز الضخم في حسابها الجاري مع العالم. ومن شأن ذلك أن يُضعف من سعر صرف الدولار خاصة مع بقاء معدلات الفائدة عليه عند أدنى مستوى لها في نصف قرن. وفي ظل هذه التوقعات قد يفلت زمام التضخم عن السيطرة ويضطر بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي إلى التعجيل برفع معدلات الفائدة، ويكون لذلك تأثير سلبي على النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة وفي العالم.
وبالنسبة للدول المنتجة للنفط؛ ومنها قطر فإنها سوف تستفيد من الزيادة الراهنة والمنتظرة في الأسعار، ولكن ذلك قد يقابله زيادة كبيرة في أسعار السلع المستوردة، وقد يكون له تبعات ومضامين سياسية سلبية لو قررت بعض الدول المستهلكة وهي الدول الكبرى في العالم ممارسة ضغوط مباشرة على الدول المنتجة للنفط لحملها على بيع النفط بأسعار مخفضة في ابتزاز واضح وسافر أو حتى بحجج واهية !!! ولأن حال الأمة ليس على ما يرام، فكل شيئ قد بات اليوم متوقعاً، والله نسأله السلامة.