كتبت في شهر مايو الماضي مقالين عن النفط كان أولهما بعنوان:هل انقلب السحر على الساحر في موضوع النفط؟، وجاء الثاني تحت عنوان:هل أسواق النفط على ابواب صدمة ثالثة؟. وقد تنبأت في المقالين بأن تظل أسعار النفط مرتفعة، وأن لا تنجح الأوبك في خفض الأسعار رغم قرارها الذي كان مزمعاً اتخاذه لزيادة سقف انتاجها من النفط، (وقررته بالفعل في الأسبوع الأول من يونيو). وطالبت في أحد المقالين بأن تعيد الأوبك النظر في استراتيجيتها التسعيرية وأن تعتمد هامش سعري جديد ليتناسب مع الأوضاع المستجدة في أسواق النفط العالمية.
وقد عادت أسعار النفط إلى الارتفاع بشدة في الأسبوع الماضي وتجاوز سعر نفط غرب تكساس في نيويورك مستوى 41 دولار للبرميل، واقترب بذلك من أعلى مستوى وصله هذا العام في الأول من يونيو. وقد جاء هذا الارتفاع –المتوقع- نتيجة للأسباب التالية:
1- استمرار نمو الطلب على النفط في الربع الثالث من العام الجاري بمعدل 0.6%، حسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية في تقريرها للشهر الحالي، ليصل الطلب إلى نحو 80.83 مليون برميل يومياً. وقد تحقق هذا النمو في الطلب على النفط نتيجة النمو الاقتصادي في كل من الولايات المتحدة والصين واليابان ومناطق أخرى في العالم.
2- تفاقم المشاكل في مناطق انتاج النفط في العالم وانخفاض انتاج النفط في العراق إلى مستوى 1.4 مليون ب/ي نتيجة الهجمات المتكررة على خطوط الأنابيب في الشمال والجنوب. وقد انخفض إجمالي الطاقات الإنتاجية الفائضة لدى المنتجين في العالم إلى 620 ألف برميل يومياً بعد أن كان يصل إلى 5 مليون ب/ي في عام 1994. وربما لهذا السبب قررت منظمة الأوبك إلغاء اجتماعها الإستثنائي الذي كان مقرراً هذا الأسبوع، وعلقت الزيادة الثانية التي كانت ستقررها على سقف انتاجها بواقع نصف مليون ب/ي اعتباراً من الأول أغسطس.
3- زيادة الواردات الأمريكية من النفط خلال الشهرين الماضيين إلى أكثر من عشرة ملايين برميل يومياً أو ما يعادل 50% من حجم الاستهلاك في الولايات المتحدة. ويلاحظ أن المخزونات التجارية من النفط في الولايات المتحدة ومقدارها 302 مليون برميل، باتت تغطي الواردات لمدة شهر واحد فقط، بعد أن كانت تغطيها لأكثر من ذلك في فترات انخفاض أسعار النفط في سنوات التسعينيات.
4- تزايد حالة القلق والخوف من انقطاع الامدادات في أي لحظة مما دفع التجار إلى زيادة مشترياتهم من النفط، وخاصة في أيام الجمع، وذلك لتحاشي حدوث مفاجئات في أيام العطلة الأسبوعية.
وإذن فنحن أمام مرحلة جديدة بدأت ملا محها في التبلور والظهور هذا العام، وقد تراوح فيها سعر سلة خامات الأوبك ما بين 32-36 دولار للبرميل في النصف الأول من العام في حين تراوح سعر نفط غرب تكساس ما بين 37-42 دولار. ومن المنتظر أن تظل أسعار النفط عند الحدود العليا المشار إليها نتيجة الزيادة المتوقعة في الطلب على النفط مع اقتراب فصل الشتاء، مع امكانية أن ترتفع الأسعار إلى مستويات أعلى إذا ما تعطلت امدادات النفط من مناطق الانتاج الرئيسية في العالم.
وسواء ارتفعت أسعار النفط أو بقيت ضمن الهامش المشار إليه، فإن منظمة الأوبك أصبحت بحاجة إلى استراتيجية تسعيرية جديدة تتفق مع معطيات المرحلة الجديدة. وقد قيل إن المنظمة تبحث في رفع الهامش السعري إلى ما بين 28-36 دولار للبرميل لسعر سلة خامات الأوبك، أي أنها سوف تتحرك لزيادة الانتاج إذا ما ارتفع السعر فوق 36 دولار للبرميل. ومن الواضح أن ما لدى المنظمة من طاقة انتاجية فائضة محدودة لن تسعفها في تطبيق الاسترتيجية إذا ما ارتفعت الأسعار فوق 36 دولار للبرميل على نحو ما هو حاصل الآن.
ولأن التحول نحو بدائل أخرى للنفط أمر لا يتصف بالمرونة، فضلاً عن أنه قد تم ممارسة هذا الخيار منذ السبعينيات من القرن الماضي على نطاق واسع، فإننا أمام أحد خيارين إما أن يحدث تباطؤ في النمو الاقتصادي العالمي يتحول إلى ركود ينتج عنه تراجع ولو محدود في أسعار النفط، وهذا ما لن يحدث طالما نحن في عام الانتخابات الأمريكية، حيث تحرص إدارة الرئيس بوش على استمرار النمو الاقتصادي، وبالتالي ستقود القاطرة الأمريكية الاقتصاد العالمي نحو المزيد من النمو. وأما الخيار الثاني فهو حدوث قفزة جديدة في أسعار النفط ترفع سعر الأوبك إلى 40 دولار للبرميل وترفع سعر نفط غرب تكساس إلى 45 دولار للبرميل في النصف الثاني من العام. وللحديث بقية عن دلالات وانعكاسات هذه التوقعات.