البنوك الوطنية ودواعي الاستمرار في التطوير

حقق القطاع المصرفي القطري خلال الأعوام الثلاثة الماضية نتائج مالية ممتازة تمثلت في تحقيق أرباح مرتفعة جداً اقتربت من مائة بالمائة من رأس المال في بعض البنوك، وفي حدوث ارتفاع مطرد في موجودات تلك البنوك وفي رؤوس أموالها وحقوق مساهميها بوجه عام. ومن المتوقع أن يكون عام 2004 امتداداً للنتائج الطيبة المتحققة في السنوات الماضية وفقاً لما أظهرته بيانات النصف الأول من العام. وقد تضافرت مجموعة من العوامل لتحقيق الانجازات الهائلة وغير المسبوقة للبنوك في قطر بوجه عام، والوطنية منها بوجه خاص، فإلى أي مدي سوف يستمر هذا النمو في المستقبل على ضوء المستجدات التي بدأت تظهر على الساحة؟
تجدر الإشارة إلى أن من بين العوامل التي ساعدت على النمو السريع للبنوك ما يتعلق بالبنوك ذاتها ويتمثل في الاستثمارات الكبيرة التي تم توظيفها في القطاع المصرفي في السنوات الماضية لتطوير الميكنة والنظم المصرفية وفقاً لأحدث ما أفرزته التكنولوجيا في هذا المجال، ولدخول البنوك مجالات جديدة في مجال خدمات التجزئة المصرفية(بطاقات الائتمان)، وللجهود الحثيثة التي بذلها مصرف قطر المركزي لجهة تطوير العمل المصرفي، وربطه محلياً وعالمياً بالشبكات الإلكترونية، وتأكيد المصرف المستمر -من خلال التعليمات والتعاميم الصادرة- على سلامة واستقرار الأوضاع المالية للجهاز المصرفي وشفافيتها. كما استفادت البنوك من الطفرة الكبيرة التي حققها الاقتصاد القطري، ومن ارتفاع هامش معدلات الفائدة بين الإيداع والاقتراض إلى مستويات كبيرة، مع تمتع البنوك بنوع من الاحتكار نتيجة عدم السماح بإنشاء بنوك جديدة أو دخول بنوك أجنبية لفترة طويلة نسبياً.
ولأن بعض الظروف المساعدة القائمة حالياً في الجهاز المصرفي قد لا تستمر بنفس الدرجة في السنوات القادمة، فإن على البنوك الوطنية أن تستمر في عملية التطوير الذاتي ليس فقط في مجال الميكنة والنظم المصرفية فقط، وإنما في مجال العلاقات العامة مع العملاء لتقديم الخدمات المتطورة لهم بأقل تكلفة ممكنة. وأتناول في هذا المقال قضيتين أساسيتين للتدليل على مدى حاجة البنوك الوطنية إلى المزيد من الجهد لكسب ثقة العملاء في الفترة القادمة. المعروف أن الفترة القادمة بعد عام 2004 قد تشهد انضمام بنوك وطنية جديدة أو أجنبية إلى القطاع المصرفي مما يقلل من درجة احتكار البنوك القائمة للخدمات المالية المقدمة للجمهور. كما ستشهد الفترة القادمة تقلص هامش الفائدة الذي ظل مرتفعاً في السنوات الماضية، بتأثير ارتفاع معدلات فائدة الإيداع، وهو الأمر الذي بدأ بالفعل في الشهور الماضية، ومرشح له أن يستمر في عام 2004 والنصف الأول من عام 2005 على الأقل.
والقضية الأولى تتعلق بمعدلات الفائدة على القروض، التي لا تزال البنوك الوطنية تتعامل فيها من منطق: إذا كان العميل غير قادر على الذهاب لمقرض آخر فعليك بفرض أعلى معدل فائدة عليه. وقد جرب البعض ممن أعرفهم إمكانية خفض معدلات الفائدة التي يدفعوها على قروض لهم، فلم تستجب بنوكهم الوطنية، فكان أن سارعوا إلى نقل حساباتهم ورواتبهم لبنوك أجنبية تعمل في قطر، وحققوا خفضاً في معدل الفائدة يزيد عن 2% على المعدل السنوي. ولم يقتصر الأمر على ذلك بل قدمت البنوك الأجنبية لهم إغراءات أخرى من قبيل التنازل عن فائدة إدارة القرض، وأن يكون صرف دفاتر الشيكات مجاناً، وغير ذلك. فهل تستمر البنوك الوطنية على عنادها في هذه القضية أم تراجع سياساتها قبل أن يفوت الأوان.
والقضية الثانية تتعلق بضرورة مواصلة تطوير النظم المصرفية، ومن ذلك تطويع النظم وأجهزة الصراف الآلي لاستخدام البطاقات الذكية التي سيبدأ العمل بها مع بداية عام 2005. الجدير بالذكر أن الشركات المصدرة لبطاقات الائتمان مثل فيزا وماسترد كارد ويوروب قد عملت على إصدار بطاقة ذكية في مواجهة عمليات التزوير والاحتيال، وهذه البطاقة تشتمل على معلومات كثيره عن حاملها وتستطيع تقديم تصور شامل عن مركزه المالي في أي لحظة. بالإضافة إلى ذلك ستتوقف الشركات المصدرة لبطاقات الائتمان عن تقديم الدعم لحاملي البطاقات الحالية في حالة تعرض بطاقاتهم للسرقة أو التزوير بعد عام 2004. وإذا ما تخلفت بنوكنا عن الاستعداد لهذا الحدث، ولم تنضم إلى نظام البطاقة الذكية، فإنها ستفقد المؤازرة التي تقدمها لها شركة الفيزا وأخواتها في مواجهة عمليات التزوير والاحتيال وضياع البطاقات. الجدير بالذكر أن هناك ندوة عن هذا الموضوع يجري الإعداد لانعقادها في سبتمبر القادم برعاية مصرف قطر المركزي والشركات المصدرة للبطاقات الذكية.
والخلاصة: إن البنوك الوطنية مطالبة بمواصلة التطوير في مجال خفض معدل فائدة الإقراض والاهتمام بمصالح العملاء من ناحية، ومواكبة المزيد من التطور التكنولوجي في الصناعة المصرفية؛ ومن ذلك العمل على تأمين خدمة البطاقة الذكية لعملائها قبل حلول عام 2005 من ناحية أخرى.