صدمة أسعار النفط الثالثة.. تداعيات واحتمالات

أن يقفز سعر برميل النفط من نوع غرب تكساس في سوق نيويورك إلى 54 دولاراً للبرميل، وأن يصل سعر نفط برنت في لندن إلى51 دولاراً للبرميل، وأن يسجل السعر المتوسط لسلة خامات الأوبك مستوى 47 دولار، فذلك ليس له إلا معنى واحد فقط أن العالم قد دخل بالفعل صدمة نفطية ثالثة. وقد سبق أن تنبأت بهذا الأمر في شهر مايو الماضي عندما كتبت مقالاً يوم 25 مايو تحت عنوان:هل أسواق النفط على أبواب صدمة ثالثة؟ وتوقعت في ذلك المقال أن تتجاوز أسعار النفط مستوى 45 دولار للبرميل، وأن يكون السعر المتوسط للنفط في عام 2004 في حدود 40 دولار.
ولو كان ارتفاع الأسعار ووصولها إلى ما وصلت إليه اليوم حدث طارئ، لما كانت هناك صدمة أو أزمة، ولكن الأمر يتعلق بخلل خطير في نظام الإمدادات العالمية نتيجة تعطل الإنتاج بشكل متكرر في مناطق الانتاج الرئيسية في العالم، وتزايد الطلب العالمي بمعدلات كبيرة. وتقدر وكالة الطاقة الدولية في تقريرها لهذا الشهر أن الاستهلاك العالمي من النفط سينمو هذا العام بمعدل 2.71 مليون برميل يومياً ليصل مجمل الاستهلاك العالمي في عام 2004 إلى 82.4 مليون ب/ي. ورغم أن دول الأوبك بدون العراق تنتج قريباً من طاقاتها الإنتاجية القصوى، فإن ذلك لم ينفع في تلبية الطلب المتزايد على النفط، وكانت النتيجة أن مخزونات النفط التجارية في الولايات المتحدة قد هبطت في الأسبوع الماضي إلى أدنى مستوى لها في 29 سنة. ومن هنا لم يكن غريباً أن يتحدث المحللون هذا الأسبوع عن امكانية وصول سعر برميل النفط إلى 60 دولاراًً، خاصة مع تأزم الموقف في نيجيريا واتجاه عمال النفط فيها إلى الإضراب، وهي أكبر بلد منتج للنفط الخفيف ذو النوعية الجيدة في إفريقيا.
ومن الواضح أن إدراك العالم للأزمة وإحساس المستهلكين بوطأتها لم ينضج بعد لكون النفط سلعة استراتيجية يتم شراؤها بموجب عقود متوسطة الأجل، بحيث يكون هناك فارق زمني يصل إلى عدة شهور بين ارتفاع الأسعار في السوق الفورية ووصول أثر ارتفاع الأسعار للمستهلكين. ثم إن السعر المتوسط لبرميل النفط في عام 2004 سيكون في حدود 40 دولار للبرميل، وذلك أمر قد تستوعب أثره الشركات المستهلكة للنفط على ميزانياتها، ولكن الأمر لن يكون كذلك عندما تبدأ سنة جديدة وتكون الأسعار ما بين 50-60 دولار للبرميل، وعندها ستكون الصدمة النفطية مبعث اهتمام بالغ على جميع المستويات وفي كل البلدان. فالنمو الاقتصادي في الدول الصناعية سوف يتراجع، وقد تضطر الدول المستهلكة إلى امتصاص جانب من أثر الزيادة على المستهلكين عن طريق خفض الضرائب الحكومية الباهظة على استهلاك النفط. وسينتج عن ذلك بالضرورة تزايد العجوزات المالية في ميزانيات الدول المستوردة للنفط وزيادة مديونياتها العامة، وقد تسقط حكومات وتتغير أنظمة نتيجة تبعات الأزمة، وستجد بعض الدول النامية نفسها في أزمة خانقة.
وفي المقابل سيعود الحديث مجدداً عن الفوائض المالية للدول المصدرة للنفط وكيفية تدويرها وعلى مستويات التضخم في هذه الدول. وسيكون للأزمة تأثير سلبي على سعر صرف الدولار الأمريكي نتيجة تعاظم العجز في الحساب الجاري الأمريكي إلى مستويات عالية جداً. هذه الأمور في مجموعها بحاجة إلى دراسة واعية لاستشراف ما يمكن أن يحدث في النصف الأول من عام 2005، وهو بكل المقاييس أمر غير عادي. وإذا كانت الدول العربية في أغلبها دول منتجة ومصدرة للنفط فإنها ستكون في موقع أفضل نتيجة ما سيحدث، وأرجو الآ يضيع العرب هذه الفرصة التاريخية وأن يوجهوا أموالهم بما يعود عليهم بالفائدة وبما يخدم قضاياهم المصيرية. وأشير في هذا الصدد إلى خبر قد يكون له دلالته في هذا السياق وهو رفع دول الاتحاد الأوروبي الحظر على مبيعات السلاح إلى ليبيا هذا الأسبوع بما يعنيه ذلك من وجود رغبة لدى الأوروبيين في تدوير بعض فوائض النفط الليبي في هذا الاتجاه. فهل نعي كعرب درس السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، أم ننساق وراء ما يخططه لنا الغير بدون تفكير في العواقب؟.